العيش في خوف: الأطفال المشردون بفعل ابتزاز العصابات في السلفادور

عندما تخشى الأسر مغادرة بيوتها خوفاً من عنف العصابات، قد تبدو الهجرة السبيل الوحيد للنجاة.

بقلم روزالين هيرنانديز
صورة ظلية لصبي، وفتاة، وأمهم يالسلفادور
UNICEF El Salvador/2018/Leiva
16 آب / أغسطس 2018

السلفادور، 15 آب/أغسطس 2018 – تملَّك الرعبُ «خولييتا»* البالغة من العمر 14 سنة منذ أن سمعت يوماً رجلاً يهدد حياة أبيها.

وكان الرجل عضواً في عصابة وطلب مالاً — وكانت خولييتا تعلم أن أباها إن لم يدفع المال، فإن من المرجح أن يقتل. وقد شهدت ما حدث لعدة من موظفيه في الماضي.

وظلت أسرة خولييتا تعيش في حالة دائمة من الرعب لعدة أشهر.

وقالت ’’لقد استبد بي القلق لدرجة أنني أُصِبْتُ بتشنج في عنقي‘‘.

وأصبحت الحياة العادية التي كانوا يعيشونها مجرد ذكرى بعيدة.

صورة ظلية لصبي، وفتاة، وأمهم بالسلفادور
UNICEF El Salvador/2018/Leiva
تعيش خولييتا وآنا وأسرتهما في خوف من ابتزاز العصابات وتهديداتها لهم بالقتل في منطقتهم — وهي من البلديات التي تشهد أشد أشكال العنف في السلفادور.
من الاستقرار إلى الابتزاز

وتتذكر «آنّا»، أم خولييتا، زمناً كانت فيه ربة بيت، متفرغة كلياً لرعاية طفليها، خولييتا ورودريغو البالغ من العمر 16 سنة، في حين كان زوجها، خوسيه، منشغلاً بأعماله التجارية المزدهرة.

لكن ما إن حالفه النجاح في العمل، حتى أصبح مستهدفاً.

ففي السلفادور، عادة ما يتعرض رجال الأعمال الناجحون لابتزاز العصابات. واستناداً إلى إحصائيات الشرطة، سجل في البلد سنة 2017 وحدها 1588 تقريراً عن عمليات ابتزاز. غير أن معظم الحالات لا يبلغ عنها خوفاً من الثأر.

وتقول «آنا»: ’’أدى النجاح المالي لزوجي إلى إحداث تغيير في حياتنا الهادئة‘‘.

فقد أكرهت العصابات خوسيه على أن يسدد لها مبالغ إلى أن أفلست أسرته.

وتعيش أسرة خولييتا في الوقت الراهن في فقر مدقع وعزلة شديدة في إحدى أشد البلديات عنفاً في السلفادور. وتقول «آنا»: ’’لقد اعتصمنا ببيوتنا‘‘.

أم تعانق طفليها بالسلفادور
UNICEF El Salvador/2018/Leiva
تضع «آنا» ذراعيها حول رودريغو وخولييتا. فأسرتهم تعيش في خوف وعزلة منذ أن بدأوا يتلقون تهديدات من عصابة محلية.
العيش في عزلة

واليوم، لا تغادر خولييتا بيتها إلا للذهاب إلى المدرسة، ويقضي رودريغو كل وقته في البيت لأن أبويه لا يستطيعان دفع تكاليف دراسة ولديهما. وارتياد المدرسة الحكومية ليس خياراً متاحاً — إذ تشير احصائيات عام 2017 إلى أن 44,61% (2295) من المراكز التعليمية تقع في مجتمعات محلية تتواجد بها عصابات.

ويشتاق رودريغو إلى الذهاب خارج البيت ومصاحبة أصدقائه من زملاء الدراسة. وقال: ’’وددت لو أنني أستطيع العودة إلى وقت كنت فيه صغيراً، وخالي البال. فقد كنت أستطيع الخروج إلى الشارع، واللعب مع أصدقائي وجيراني. إنني لا أحب العيش في هذا الزمن الذي أعيش فيه الآن‘‘.

وتقول «آنا» التي أصبحت المعيلة الوحيدة وعليها أن تدعم أسرتها بالكامل: ’’إنني أبيع أي شيء أعثر عليه، من الحجارة إلى الملابس البالية [...] وعندما أحصل على أي مال أشتري به الفاصولياء والبيض‘‘.

صورة ظلية لحذاء تحت طاولة
UNICEF El Salvador/2018/Leiva
أفلس والدا خولييتا بسبب ابتزاز العصابات ويمنعهما الخوف من أن يبلغا الشرطة. ويريان الآن أن الأمل الوحيد الباقي هو في طلب اللجوء إلى بلد آخر.
عندما تبدو الهجرة سبيل النجاة الوحيد

واستناداً إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين فقد طلب 59400 شخص من السلفادور في عام 2017 فقط اللجوء في بلدان أخرى.

وتقول «آنا» التي لم يسبق لها ولأفراد أسرتها أن فكروا في الهجرة. إن ’’الأمر يتطلب الكثير من الشجاعة. وما كنا لنعرض أولادنا لأسوأ ما يمكن أن يحدث لهم. فأول شيء بالنسبة لنا هو استنفاد كل الخيارات القانونية هنا‘‘.

لكن الآن، تعتقد «آنا» أن اعتصامها هي وأسرتها ببيتها أسلم من إبلاغ الشرطة أو مكتب المدعي العام.

وتمضي قائلة إنه ’’في هذا البلد، ليست هناك أسرار، وأي واحد يمكن أن يكون ضحية وشاية. فنحن نعيش في زمن يطغى فيه الحسد والأنانية، والناس قادرون على إتيان أي عمل‘‘.

وقررت «آنا» وأسرتها مؤخراً طلب اللجوء في بلد آخر. وقالت ’’لا نريد مغادرة بلدنا، لأننا نحبه، لكن للأسف، ثمة أناس كثيرون دمروه. وليس أمامنا إلا أن نغادر أو يتعرض فرد من أفراد أسرتنا للقتل‘‘.

وتتملك رودريغو مشاعر متضاربة بشأن مغادرة البلد. ويقول ’’إن جزءا مني يشعر بأن المغادرة ستكون أمراً جيداً، لكن من جهة أخرى، علي أن أتخلى عن أشياء كثيرة — عن أقرب الناس إلي، وعن أسرتي، والمكان الذي ترعرعت فيه. فثمة قيمة عاطفية لكل شيء حولي‘‘.


تعمل اليونيسف مع السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني من أجل وضع استراتيجية لمنع العنف والتصدي للأسباب الجذرية للهجرة القسرية والتشرد. وفي إطار هذه الاستراتيجية، تدعم اليونيسف مؤسسات من قبيل معهد حقوق الإنسان التابع لجامعة «خوسي سيميون كانياس» لأمريكا الوسطى، وهي مؤسسات تقدم المساعدة للأسر عن طريق خدمات من قبيل المشورة القانونية والدعم النفسي.

لكن لا يزال ثمة الشيء الكثير مما يتعين القيام به لحماية أولئك الذين يتعرضون لتهديد العصابات ولمكافحة الابتزاز والهجرة القسرية.

* كل الأسماء الواردة في هذه القصة أسماء مستعارة لحماية هوية الأسرة.