رسالة مفتوحة إلى أطفال العالم
الأسباب الثمانية التي تجعلني قلقة ومتفائلة من أجل الجيل القادم – من المديرة التنفيذية لليونيسف السيدة هنرييتا فور في الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل.

أعزائي أطفال الحاضر والمستقبل،
قبل ثلاثين سنة، وقف العالم صفاً واحداً من أجل الدفاع عن الأطفال والطفولة حين كانت رياح التغيير تعصف بالنظام العالمي القائم آنذاك، من سقوط جدار برلين واندحار نظام الفصل العنصري إلى بزوغ فجر الشبكة العنكبوتية العالمية. و في حين نشأ معظم والديكم في تلك الحقبة من الزمن ومن مختلف أرجاء العالم في ظلّ حكومات مستبدّة أو فاشلة، إلّا أنّهم كانوا يأملون بتحقيق حياة أفضل وفرصٍ أكبر ومزيدٍ من الحقوق لأطفالهم. لذا، وفي تلك اللحظة النادرة من لحظات الوحدة العالمية التي التقى فيها قادة الدول سنة 1989 ليقطعوا لأطفال العالم عهداً تاريخياً بحماية حقوقهم وإعمالها، نشأ إحساس حقيقي بالأمل من أجل الجيل القادم.
ولكن ما هو مقدار التقدم الذي أحرزناه حتى الآن؟ لقد تمكّنا خلال العقود الثلاثة التي أعقبت تبني اتفاقية حقوق الطفل من الحد من عدد الأطفال غير الملتحقين بالدراسة الابتدائية بنحو 40 في المئة على الرغم من الانفجار السكاني العالمي. وانخفض عدد الأطفال دون سن الخامسة المصابين ببطء النمو بأكثر من 100 مليون طفل. وقبل ثلاثة عقود، كان شلل الأطفال يُقعِد قرابة 1000 طفل يومياً أو يودي بحياتهم. أما اليوم فقد تم منع 99 في المئة من تلك الحالات. واتسم عدد كبير من التدخلات التي تقف وراء هذه المنجزات –كاللقاحات وأملاح الإماهة الفموية وتحسين التغذية– بأنها تدخلات عملية وفعالة من حيث التكلفة. وقد أسهمت النهضة الرقمية وتقنيات الهاتف المحمول وغيرها من الابتكارات في جعل الأمور أكثر يسراً، كتقديم الخدمات المهمة في المجتمعات النّائية، فضلاً عن زيادة حجم الفرص المتاحة.

لكن الفقر وانعدام المساواة والتمييز وبُعد المسافات ما زالوا يحرمون ملايين الأطفال من حقوقهم سنوياً، إذ يحصد الموت كل يوم أرواح 15,000 طفل دون سن الخامسة، غالباً بسبب أمراض قابلة للعلاج وأسباب أخرى يمكن تفاديها. وتواجهنا حالياً مشكلات من قبيل الارتفاع المثير للقلق في البدانة عند الأطفال، في حين تعاني الفتيات من فقر الدم، فيما تواصل التحديات المستعصية، كظاهرة التغوط في العراء وعادات زواج الأطفال، تهديدها لصحة الأطفال ومستقبلهم. وفي حين سجّلت أعداد الأطفال الملتحقين بالمدارس أعلى مستوياتها على الإطلاق، ما يزال تحقيق التعليم الجيد تحدياً ماثلاً. ذلك أن الالتحاق بالمدرسة شيء والتعلم شيء آخر ؛ إذ لا يزال أكثر من 60 في المئة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية في البلدان النامية عاجزين عن تحقيق الحد الأدنى من قدرات التعلم فيما يواجه نصف المراهقين في العالم العنف في المدرسة وحولها، وبالتالي فإنهم لا يشعرون فيها بالأمان. وتواصل النزاعات حرمان الأطفال من الحماية والصحة الجيدة والمستقبل الذي يستحقونه. وإذا أردنا أن نحصي التحديات التي لا تزال ماثلة فيما يتعلق بحقوق الطفل فإن القائمة تطول.
كما يواجه جيلكم هذا يا أطفال اليوم، طائفة جديدة من التحديات والتحولات العالمية التي لم تكن في حسبان أهاليكم. فمناخ الأرض ينقلب انقلاباً جذريّاً، وانعدام المساواة يضرب جذوره عميقاً، في حين تغيّر التّقانة الحديثة من نظرتنا للعالم من حولنا، كما تزداد أعداد العائلات المهاجرة إلى مستويات غير مسبوقة. لقد تغيرت الطفولة وصار لزاماً علينا تغيير نهجنا لمواكبة هذا التغيير.
لذلك، وحين نستعرض الأعوام الثلاثين التي مضت من عمر اتفاقية حقوق الطفل، فإنّ علينا أن نوجه أنظارنا أيضاً صوب السنوات الثلاثين القادمة.
علينا أن نصغي لكم – يا أطفال ويافعي اليوم – فيما يتعلق بالقضايا ذات الأهمية القصوى بالنسبة لكم الآن، وأن نبدأ العمل معكم على إيجاد حلول عصرية لمشكلات القرن الحادي والعشرين.
وإنني، إذ أضع كل ذلك في اعتباري، أُعَدِّدُ لكم فيما يلي الأسباب الثمانية التي تجعلني قلقة على مستقبلكم، والأسباب الثمانية التي تحملني على الاعتقاد بوجود الأمل.

لِمَ أنا قلقة؟
من البداهة أن الأطفال جميعاً يحتاجون لهذه الأساسيات ليحافظوا على حياة سليمة معافاة –أي أن يعيشوا في بيئة نظيفة ويتنفسوا هواء نقياً ويشربوا ماء نقياً ويأكلوا طعاماً صالحاً– ويبدو غريباً أننا ما زلنا نتحدث عن هذه الأساسيات في عام 2019. ولكن من الممكن لتغير المناخ أن يقوض هذه الحقوق الأساسية جميعها، بل أن يقوض معظم المكاسب التي تحققت على صعيد الحفاظ على حياة الأطفال ونموهم على امتداد السنوات الثلاثين الماضية. وربما كان تغير المناخ هو الخطر الأعظم الذي يتهدد حقوق الجيل القادم من الأطفال.

وفي السنة الماضية، أفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن تغير المناخ أخذ يحتل مكانه بين القوى الرئيسية المسؤولة عن الصعود المتواصل لمستويات الجوع عالمياً في الآونة الأخيرة، حيث سيتحمل الجيل القادم من الأطفال العبء الأكبر من الجوع وسوء التغذية بسبب تراجع الإنتاج الغذائي جراء تصاعد حالات الجفاف والفيضانات. ونحن نرى بالفعل دلائلا على أن التغير المناخي يقف وراء ظواهر جوية قصوى مما يتسبب في زيادة وتيرة الكوارث الطبيعية وقوتها التدميرية. وبرغم تباين التنبؤات المستقبلية –حسب المنظمة الدولية للهجرة– بخصوص عدد الأشخاص المتوقع هجرتهم لأسباب تتعلق بالبيئة من شتى أنحاء العالم بحلول عام 2050، فقد كان الرقم 200 مليون مهاجر هو الأكثر تردداً في هذا المضمار، في حين ذهبت بعض التقديرات إلى مستويات بلغت مليار مهاجر.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم شح المياه، سيقع الأثر الأكثر فتكاً للأمراض المنقولة بالماء على الأطفال. ففي الوقت الحاضر، يعيش ما يربو على نصف مليار طفل في مناطق تحصل فيها فيضانات بوتيرة عالية جداً فيما يعيش زهاء 160 مليون طفل في مناطق تصل حدة الجفاف فيها إلى مستويات عالية. وتعتبر المناطق مثل الساحل، التي يعتمد سكانها بصورة خاصة على الزراعة والرعي وصيد الأسماك، معرضة بصفة خاصة لتأثيرات التغير المناخي؛ إذ يُتوقع أن يزداد شح الأمطار في هذه المناطق القاحلة وأن تتقلص القدرة على التنبؤ بها في المستقبل. ومما يثير القلق أيضاً أن معدل الاحترار في هذه المنطقة هو أسرع من المعدل العالمي بمرة ونصف المرة. ففي منطقة الساحل، يزداد المناخ الحار حرارة ويزداد الفقراء فقراً، ومن ثم تأتي الجماعات المسلحة، كما هو عهدها، لتستغل التظلمات الاجتماعية التي تنشأ في ظل مثل هذه الظروف الضاغطة.

ويأتي تلوث الهواء والنفايات السامة وتلوث المياه الجوفية ليزيد من تعقيد هذه التحديات بما يُلحق الضرر بصحة الأطفال. ففي عام 2017، كان قرابة 300 مليون طفل يعيشون في مناطق يصل تلوث الهواء الخارجي فيها إلى أعلى مستويات السُّمية – أي أعلى من التوجيهات الدولية بستة أضعاف أو أكثر، مما يسهم في وفاة نحو 600,000 طفل دون سن الخامسة، فيما سيعاني عدد أكبر من ضرر دائم يؤثر على نمو أدمغتهم ورئتيهم.
وبحلول عام 2040، سيعيش طفل من كل أربعة أطفال في مناطق تعاني من إجهاد مائي شديد وسُيصاب آلاف الأطفال بالأمراض بسبب الماء الملوث. وبالتالي، فقد صارت قضايا إدارة وحماية مصادر المياه الجوفية النّظيفة والوفيرة والمتاحة، فضلاً عن إدارة النّفايات البلاستيكية، من أهمّ قضايا صحّة الأطفال في زمننا الحالي.

لماذا هناك أمل؟
في سبيل الحد من آثار التغير المناخي، ينبغي على الحكومات وقطاع الأعمال العمل معاً للتعامل مع الأسباب الجذرية التي تقف وراء هذا التغير، وذلك عن طريق الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراريّ عملاً باتّفاق باريس. وفي ذات الأوان، ينبغي إعطاء الأولوية القصوى للجهود الساعية إلى ابتكار أساليب للتكيّف تعمل على التّقليل من التّبعات البيئية على الأطفال.
وتعمل اليونيسف على كبح جماحِ الظواهر الجوية القصوى، بما في عبر وضع تصاميم لشبكات المياه قادرةٍ على تحمل الأعاصير وتلوث الماء العذب بالمياه المالحة، وتقوية الأبنية المدرسية ودعم تمرينات الجهوزيّة؛ ودعم النظم الصحية للمجتمعات المحلية. ومن شأن الابتكارات من قبيل خطط التغذية المنظمة لمستودعات المياه الجوفية أن تحافظ –إذا ما طُبِّقَتْ على نطاقِ واسع– على مخزون الماء النقي لحماية ملايين الأطفال من مخاطر شح المياه والأمراض.
وهناك أمل حتى في البيئات الصّعبة كتلك السائدة في منطقة الساحل –إذ تمتلك المنطقة مجتمعاً شاباً متعطشاً للعمل وللفرص، ويوفر مناخها إمكانية هائلة لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة. ومن خلال الاستثمار في فرص التعليم والتوظيف، وتحسين الأمن والحُكْمِ، سيكون لدينا كل ما يدعو إلى الشعور بالتفاؤل فيما يتعلق بقدرة المنطقة على التكيُّف ومرونتها لتحمل تبعات التغير المناخي.
وكي يتسنى تحويل دفة الأمور فيما يتعلق بتلوث الهواء، يتوجب على الحكومات والشركات العمل معا من أجل التقليل من استهلاك الوقود الأحفوري وتطوير نظم زراعية وصناعية ونظم نقل أكثر نظافة، والاستثمار في توسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وقد اتخذت كثير من الحكومات إجراءات لتطبيق أنظمة صارمة من أجل الحد من التلوث الناتج عن محطات توليد الطاقة الكهربائية والمرافق الصناعية والمركبات على الطرق. وقد توصلت دراسة أجرتها وكالة حماية البيئة الأمريكية عام 2011 أن القانون المتعلق بالهواء النقي في البلد لعام 1999 قدّم للمواطنين فوائد صحية بقيمة 30 دولار أمريكي مقابل كل دولار واحد تم إنفاقه. وتنطوي مثل هذه السياسات على الحلول اللازمة لحماية رئات الصغار وأدمغتهم من التلف الناتج عن الهواء المحمّل بالملوثات والجسيمات.

كما أنّ البحث عن حلول تمكننا من التخفيف من حدة الآثار الأسوء لتلوث الهواء على صحة الأطفال مهمّ جدّاً. ففي العاصمة المنغولية، أولان باتور، يستخدم 60 في المئة من السكان الفحم مصدراً للطاقة، مما يجعله المصدر الأكبر للتلوث هناك. لذلك تعتبر أولان باتور واحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً في فصل الشتاء. وبالتالي بدأ خبراء الابتكار في اليونيسف ومعهم المجتمع المحلي والحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص في تصميم حلول فعالة للطاقة الخاصة بالمساكن التقليدية وتنفيذها بغية التقليل من استهلاك الفحم وتحسين جودة الهواء، بما في ذلك "تصميم الأكواخ التقليدية بما يتلاءم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين".
نحن نعمل أيضاً على إيجاد طرق مبتكرة لتكرير المواد البلاستيكية وإعادة استخدامها للتقليل من حجم النفايات السامة ولاستخدام النفايات في أوجه مفيدة. وقد قامت مؤسسة اجتماعية كولومبية اسمها ’كونسيبتوس بلاستيكوس‘ بتطوير طريقة لصنع لبنات بناء من المواد البلاستيكية غير المصنوعة من كلوريد البوليفينل (بي في سي)، وهي أرخص وأخف وزناً وأكثر متانة من اللبنات التقليدية – ومن ثم استخدامها في بناء غرف صف مدرسية. وقد بُنيت أول غرفة صف من البلاستيك المعاد تدويره في إفريقيا في وقت سابق من العام الحالي بدولة كوت ديفوار، واستغرق بناؤها بضعة أسابيع، فيما كانت تكاليفها أقل من غرفة الصف التقليدية بنسبة 30 في المئة. هذا النهج المبتكر في تحويل النفايات البلاستيكية إلى لبنات بناء كفيل بتحويل عملية إدارة النفايات البلاستيكية إلى فرصة بعد أن كانت تشكل تحدياً، وذلك من خلال إعمال الحق في التعليم جنباً إلى جنب مع بناء المدارس وتمكين تلك المجتمعات المحلية، وتنقية البيئة في الوقت ذاته.


لِمَ أنا قلقة؟
الأطفال دائماً هم الضحية الأولى للحرب. وفي الوقت الحاضر، بلغ عدد البلدان التي تشهد نزاعاً أعلى مستوياته على الإطلاق منذ تبني اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، إذ يعيش طفل من كل أربعة أطفال اليوم في بلدان تتأثر باقتتال عنيف أو كارثة، وتم تشريد 28 مليون طفل خارج بيوتهم بسبب الحروب وانعدام الأمن. ويخسر كثير من الأطفال سنوات عديدة من الدراسة – بالإضافة إلى الخسارة على صعيد سجل المنجزات والمؤهلات لغايات الدراسة والعمل مستقبلاً. لقد تسببت النزاعات والكوارث الطبيعية حتى الآن في انقطاع 75 مليون طفل ويافع عن الدراسة، وهاجر الكثير منهم عبر الحدود أو جرى تهجيرهم. ويشكل ذلك مأساة شخصية بالنسبة لكل طفل. إن التخلي عن طموحات جيل بأكمله هو إهدار مخيف للقدرات البشرية. والأسوأ من ذلك أن خلق جيل ضائع، خائب الآمال، ومعبّئٍ بالغضب من الأطفال غير المتعلمين يشكل مجازفة خطيرة قد ندفع ثمنها جميعاً.

لماذا هناك أمل؟
طبّقت بعض الدول سياسات فعالة لتمكين اللاجئين من الاستمرار في الدراسة. فعندما وصلت أعداد ضخمة من الأطفال الهاربين من الحرب في الجمهورية العربية السورية إلى لبنان، واجهت الحكومة اللبنانية تحديات تتعلق باستيعاب مئات الآلاف من الأطفال في منظومة المدارس الحكومية الرازحة أصلاً تحت الضغط. لكن هذا البلد قد تمكّن، وبدعم من الشركاء الدوليين، من تحويل هذا التحدي إلى فرصة حيث قام بإلحاق أطفال اللاجئين في مدارسه مع تعزيز النظام التعليمي للطلاب اللبنانيين في الوقت نفسه.
وبمساعدة الابتكارات الرقمية بتنا اليوم قادرين على القيام بما هو أكثر من ذلك. وترجمةً لذلك، تتعاون اليونيسف مع شركة مايكروسوفت وجامعة كامبريدج على تطوير ’جواز السفر التعليمي‘ – وهو عبارة عن منصة رقمية لتيسير فرص التعليم للأطفال واليافعين داخل الحدود وخارجها. ويخضع ’جواز السفر التعليمي‘ هذا حالياً للاختبار والتطبيق التجريبي في بلدان تستضيف لاجئين ومهاجرين ونازحين. فحتّى يصبح عالمنا ذا فضاءٍ رقميّ متّسم بشموليّة الجميع فعليه إتاحة المجال لليافعين، مهما كانت أوضاعهم، للحصول على التعليم. ومن شأن توسيع نطاق الحلول المثيلة لجواز السفر التعليمي أن يساعد ملايين الأطفال المهجرين على اكتساب المهارات التي يحتاجونها حتّى يُفلحوا في حياتهم.


لِمَ أنا قلقة؟
لو أننا صدقنا كل شيء نقرؤه عن المراهقين اليوم والصور التي يرسمها لنا التّلفاز والأفلام عنهم، لكنّا معذورين إن حسبناهم جيلاً جامحاً وكارهاً للمجتمع. ولكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. حيث تظهر الأدلة في واقع الأمر، أن الممارسات الضارة من قبيل التدخين واستهلاك الكحول أقل انتشاراً بين مراهقي اليوم مقارنة مع الأجيال السابقة، كما أنهم أقل توريطاً لأنفسهم في المشاكل، وبصورة عامة أقل ميلاً للمخاطرة. بل يمكنك حتى وصفهم بالجيل المتعقل.
وعلى الرغم من ذلك، يظهر أحد مجالات المخاطر المتعلقة بالمراهقين نزعة في الاتجاه الخاطئ مثيرة للقلق الشديد تذكّرنا بسرعة التّاثّرالخفيّة التي ما زال اليافعون يحملونها بداخلهم. فقد أخذت اضطرابات الصحة العقلية عند اليافعين دون سن الثامنة عشرة تتصاعد بثبات خلال السنوات الثلاثين الماضية، فيما يُصنّف الاكتئاب اليوم من بين الأسباب الرئيسية للإعاقة في صفوف صغار السن. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فقد توفي 62,000 مراهقاً خلال عام 2016 بسبب إيذاء النفس الذي بات يشكل اليوم ثالث الأسباب الرئيسية للوفاة في صفوف المراهقين من سن 15-19 سنة.
ولا تقتصر هذه المشكلة على البلدان الغنية – إذ وقع ما يزيد عن 90 في المئة من حالات انتحار المراهقين في عام 2016 في بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. وفي الوقت الذي يفتقر فيه اليافعون الذين يعانون من اضطرابات عقلية حادة في البلدان ذات الدخل المنخفض للعلاج والدعم في أغلب الحالات، لا يوجد بلد في العالم يمكنه الادعاء بأنه قد تغلب على هذا التحدي. وأقتبسُ هنا قول خبير الصحة العقلية بمنظمة الصحة العالمية شيكار ساكسينا ((عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية، فجميع البلدان هي بلدان نامية)). ويتضح من حجم الإنفاق على الصحة العقلية أنه ثمة حاجة إلى إيلائها أولوية أكبر في العالم كله، إذ تنفق البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أقل من 1 في المئة من إجمالي ميزانيتها الصحية على الصحة العقلية بينما تنفق البلدان المرتفعة الدخل ما بين 4-5 في المئة فقط.

وتعمل اليونيسف مع الأطفال الذين عانوا من صدمات لا يمكن تصورها، والتمييز بين الجنسين، والفقر المدقع، والعنف الجنسي، والإعاقة، والأمراض المزمنة، والعيش في ظروف النزاعات، وغير ذلك من التجارب التي تتركهم أكثر عرضةً لمخاطر التعرض للكرب العقلي. ولا يقتصر الثمن المدفوع على المستوى الشخصي، بل يتخطاه إلى المستوى الاجتماعي – لذلك يُدرج المنتدى الاقتصادي العالمي الصحة العقلية باستمرار باعتبارها أحد الأعباء الاقتصادية الكبرى على مستوى الأمراض الصحية غير السارية. وبالرغم من كثرة الأدلة على أن أزمة ما تلوح في الأفق، وعلى الرغم من الاتجاهات المقلقة المتمثلة بتصاعد معدلات الانتحار وإيذاء النفس، لا تزال البرمجة المتعلقة بالصحة العقلية على مستوى العالم تغفل في أغلب الأحيان مسألة الصحة والعافية العقليين للمراهقين.
لماذا هناك أمل؟
يبدأ نصف الاضطرابات العقلية التي تدوم مدى الحياة بالظهور قبل سن الرابعة عشرة، لذلك يجب إعطاء الأولوية لتعزيز الصحة العقلية بما يتناسب مع عمر المصاب، والوقاية من اضطراباتها وتوفير العلاج وإعادة التأهيل. ويكتسب الكشف والعلاج المبكران أهمية كبرى لمنع نوبات الكرب العقلي من بلوغ درجة الأزمة وإلحاق الضرر بحياة الشباب النفيسة وخسارتها. ولكن الخوف من العار و الحرمة المفروضة اللذين يمنعان المجتمعات من الحديث صراحةً عن المشكلات الصحية العقلية يقفان في أحيان كثيرة حجر عثرة في طريق حصول الشباب على المساعدة في مرحلة مبكرة. لكن لحسن الحظ، فقد بدأت هذه المحرمات بالسقوط فيما عاد الشباب إلى تصدُّر المشهد – عن طريق تأسيس منظمات غير حكومية وتطوير تطبيقات رقمية وزيادة الوعي والتحدث بصراحة عن صراعاتهم مع الأمراض العقلية ومحاولاتهم للتصدي لحالتهم على أمل أن يؤدي ذلك إلى تمكين الآخرين من القيام بالشيء ذاته.

وتعمل اليونيسف عن طريق الحملات في المدارس على تشجيع الحديث في موضوع الصحة العقلية في نقاشات علنية. ففي كازاخستان، على سبيل المثال، التي سجّلت واحداً من أعلى معدلات الانتحار بين المراهقين في العالم، كثفت اليونيسف جهودها الرامية إلى النهوض بمستوى تمتع المراهقين بصحة عقلية جيدة من خلال تنفيذ برنامج تجريبي واسع النطاق في أكثر من 450 مدرسة. وقد عمل هذا البرنامج على زيادة الوعي وتدريب المدرسين على تحديد الحالات عالية مستوى الخطر وضمان إحالة المراهقين المعرضين للخطر إلى اختصاصيّين صحيين. وشارك نحو 50,000 يافع في التطبيق التّجريبي لهذا البرنامج والذي كانت له نتائج جيّدة على صعيد العافية العقليّة للمراهقين. ومن ثم تم توسيع نطاق تطبيق البرنامج ليشمل ما يزيد عن 3,000 مدرسة.
وقد أسفر إعطاء الأولوية لتعزيز الصحة العقلية للمراهقين ومنع الانتحار عن انخفاض بنسبة 51 في المئة في معدل الوفيات الناجمة عن إيذاء النفس ضمن الفئة العمرية 15-17 سنة على المستوى الوطني، بينما انخفض عدد حالات الانتحار من 212 حالة عام 2013 إلى 104 حالات عام 2018 لنفس الفئة العمرية. وربما كان التطور الأهم في هذا المضمار السعي الجاري حالياً لإدراج الصحة العقلية ضمن خدمات الرعاية الصحية الأساسية مما يساعد في التغلب على الخوف من العار الذي يثني اليافعين في الغالب عن السعي للحصول على المساعدة.

لِمَ أنا قلقة؟
شكلت الهجرة جزءاً من قصّة البشرية على مر التاريخ. فعلى امتداد آلاف السنين ترك الأطفال وعائلاتهم أماكنهم الأصلية ليستقروا في مجتمعات محلية جديدة سعياً وراء فرص التعليم والعمل. ولم يختلف الأمر في زمننا هذا، فنحن نعيش في عالم متحرك انتقل فيه ما لا يقل عن 30 مليون طفل عبر الحدود.
ويهاجر الكثير من الناس بدافع البحث عن حياة أفضل، لكن الهجرة بالنسبة لعدد كبير جداً من الأطفال ليست خياراً إيجابياً بل ضرورة ملحّة – فالفرصة لبناء حياة آمنة وصحية ورغيدة في المكان الذي ولدوا فيه ليست متاحة لهم بكل بساطة. وقد تقود الهجرة، حين يكون مبعثها القنوط من أيّ حلّ آخر، إلى أن يهاجر الأطفال دون الحصول على التصاريح اللازمة فيصبحون عندئذٍ ما يُسمى بالـ ’مهاجرين غير النّظاميين‘. وغالباً ما يقوم هؤلاء الأطفال برحلات محفوفة بالمخاطر عبر القِفَارِ والبحار والحدود المحمية بالسلاح فيواجهون العنف وسوء المعاملة والاستغلال في الطريق.
ولكنّ أكبر الهجرات التي يشهدها العالم على الإطلاق هي الهجرة التي تحدث داخل حدود البلاد لا عبرها، حيث يهاجر ملايين الناس داخلياً من المناطق الريفية إلى المدن. وعندما تبنت دول العالم اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، كان غالبية أطفال العالم يعيشون في المناطق الريفية، أما اليوم فأكثرهم يعيشون في المدن، ومن المتوقع أن تزداد معدلات التوسع الحضري. وعلى الرغم من تمتع سكان المدن وسطيّاً بسهولة أكبر في الحصول على الخدمات والفرص، إلا أن حجم انعدام المساواة فيها قد يكون كبيراً للغاية إلى حد تصير فيه أوضاع كثير من الأطفال الأكثر حرماناً في المناطق الحضرية إلى حال أسوأ من أطفال المناطق الريفية. فعلى سبيل المثال، تكون احتمالية وفاة الأطفال الأشد فقراً في المدن قبل بلوغهم عيد ميلادهم الخامس، في بلد واحد من كل 4 بلدان، أكثر رجحاناً عنها لأطفال الأرياف. كذلك، تقل احتمالية استكمال الأطفال الأشد فقراً في المدن للتعليم الابتدائي، في بلد واحد من كل 6 بلدان، عنها لأطفال الأرياف.

لماذا هناك أمل؟
ينبغي ألا يشعر أي طفل بأنه مجبر على الهجرة من موطنه، ولكن ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للمسألة فمن المرجح ألا يطرأ أي تغيير على الأوضاع. وهذا يعني التعامل مع مشكلة العنف في المجتمع المحلي وعنف العصابات، وتعزيز أنظمة الحماية حتى يشعر الأطفال بالأمان في مجتمعاتهم المحلية، وتحسين إمكانية الحصول على التعليم الجيد وفرص العمل، والتأكد من حصول اليافعين على فرصة اكتساب المهارات التي يحتاجونها لبناء مستقبل أفضل –وأكثر أمناً– لأنفسهم ولأوطانهم.
وحسب تقديرات اليونيسف، يهاجر عشرات الآلاف من الأطفال دون الحصول على التصريح القانوني، إما مع عائلاتهم أو بمفردهم، مما يعرضهم للمخاطر بدرجة كبيرة. لذا من الضروري دعم حقوق الأطفال المهاجرين، سواء أمهاجرين نظاميين كانوا أم لا. وحيثما كان هؤلاء الأطفال المهاجرون وأياً كانت حكايتهم، فإنهم أطفالً في المقام الأول. وبوسع الحكومات أن توفر الحماية للأطفال المهاجرين بإعطاء الأولوية لمصلحة الطفل العليا عند تطبيق قوانين الهجرة، ويجب على هذه الحكومات –حيثما أمكن– الحفاظ على أفراد الأسرة معاً واستخدام بدائل عن الاحتجاز، وهي بدائل ثبت نجاحها، من قبيل الأسر الحاضنة أو الدور الجماعية – حيث جرّبت كثير من الحكومات هذه الطّرقَ بنجاح.

وإذا أمعنّا النظر فيما وراء المعدلات، وتحكمّنا بعامل الثروة في الحسابات، سيتلاشى ما يسمى بالميزة الحضرية. بالتالي، يتوجب على السياسات والبرامج الاجتماعية المصممة لدعم حياة الطفل ونموه أن تولي أطفال المدن الأشد فقراً والأكثر تهميشاً اهتماماً أكبر. وبصفة عامة، يحصل قاطنو المدن الحديثة على الماء النقي والخدمات الصحية والاجتماعية بسهولة أكبر، فضلاً عن توفر الفرص لتعليمية. لذلك، إذا استطاعت حكومات المدن العمل على إيجاد إمكانية وصول شاملة لكافة الأطفال في هذه المدن وتوفير الفرص المتكافئة لهم، فإن بقاء الطفل ونموه سيزدهران فعلاً في كنف الحياة الحضرية.

لِمَ أنا قلقة؟
لكل طفل الحق في الحصول على هوية قانونية وفي حمل جنسية وفي أن يُدرج اسمه في سجل المواليد. لكن ربع المولودين منكم اليوم – 100,000 مولود تقريباً – لن يحصلوا أبداً على شهادة ميلاد رسمية أو يصيروا أهلاً لحمل جواز سفر. وإذا عَدِمَ والداك الجنسية أو كانا ينتميان إلى جماعة مضطهدة أو مهمشة، أو إن كنت بكل بساطة تعيش في منطقة فقيرة ونائية، فربما لن يتم منحك بطاقة هوية أو شهادة ميلاد. وقد يتم حرمانك من الجنسية أو سحب الجنسية منك. وقد يعني عدم الاعتراف الرسمي بكم على هذا النحو من أية دولة، حرمانكم من الرعاية الصحية والتعليم وغيرهما من الخدمات الحكومية. وقد يعني عدم امتلاك وثائق رسمية، في مرحلة لاحقة من العمر، أن تتزوجوا أو تشتغلوا اشغالاً خطرة أو أن يجري تجنيدكم في القوات المسلحة قبل بلوغكم السن القانوني. وإذا كنت طفلاً غير مسجل أو ’عديم الجنسية‘ فأنت غير مرئي بعيون السلطات – وكأنك لم تولد أبداً.

فعلى سبيل المثال، يولد يومياً أطفال في المخيمات المرتجلة ببنغلاديش التي فر إليها مئات آلاف العائلات من لاجئي الروهينغا بحثاُ عن مأوى. ومن المرجح ألا يتم تسجيل هؤلاء المواليد الجدد من الروهينغا أو أن يتم منحهم الجنسية، مما يسلبهم، لو جاز التّعبير، ’جواز سفر الحماية‘ الأساسي هذا منذ اللحظة الأولى في حياتهم.
وهناك اليوم مجموعة أخرى من الأطفال معرضة لخطر العيش دون بطاقة هوية قانونية واضحة وبلا جنسية. فإذا كنت طفلاً بريئاً مولوداً لأبٍ مقاتل أجنبي ينتمي لجماعة مسلحة ما، فربما لا تحصل على الجنسية أو ربما يتم تجريدك من الجنسية. وفي الجمهورية العربية السورية وحدها، يوجد حسب تقديرات اليونيسف ما يقارب 29,000 طفل أجنبي، معظمهم دون سن الثانية عشرة، إضافة إلى 1,000 طفل آخر يُعتقد أنهم موجودون في العراق، قد لا يكونوا حاصلين على أية وثائق ثبوتية مدنية. وهؤلاء معرضون لخطر العيش بلا جنسية أو العيش كأشخاص غير مرئيين بنظر السلطات.

لماذا هناك أمل؟
يعتبر تسجيل الأطفال عند ولادتهم الخطوة الأولى على طريق تأمين الاعتراف بهم أمام القانون، وحماية حقوقهم، وضمان ألا تُنتهك هذه الحقوق دون أن ينتبه إليها أحد. وفي هذا الصدد، جعلت الأمم المتحدة من حصول كل إنسان على ظهر الكوكب على بطاقة هوية قانونية بحلول عام 2030 هدفاً من أهدافها. من جانبها، تقدم اليونيسف الدعم للحكومات من أجل العمل على تحقيق ذلك الهدف بدءًا بتسجيل جميع المواليد الجدد.
إن الحل السياسي هو الحل الحقيقي الوحيد للأطفال المحرومين من بطاقة الهوية الرسمية بسبب الخلافات حول وضعهم القانوني. لذلك تحث اليونيسف الدول الأعضاء على القيام بمسؤولياتها في حماية كل شخص دون سن الثامنة عشرة بما ينسجم مع بنود اتفاقية حقوق الطفل. ويشمل ذلك الأطفال الذين يولدون لمواطني دول أخرى ممن قد يكونوا مهاجرين أو لاجئين أو مقاتلين أجانب – لأن الأطفال يظلون أطفالاً في المقام الأول.

وفي ظروف أخرى مغايرة، تعطي التقنيات الحديثة والشراكات المبتكرة أملاً بحلّ افضل. ففي دولة بوليفيا متعددة القوميات، مثلاً، عملت شركة الاتصالات الوطنية ’تيغو‘ والمحكمة العليا للانتخابات واليونيسف على زيادة تسجيل المواليد في المستشفيات والمراكز الصحية مما أسفر عن حدوث زيادة في تسجيل الأطفال عند الولادة بنسبة تزيد عن 500 في المئة في الفترة الواقعة بين عامي 2015 و2018. وفي رواندا، أدى التسجيل الآلي للأطفال عند ولادتهم في المستشفيات إلى ارتفاع نسبة تسجيل المواليد من 67 في المئة سنة 2017 إلى 80.2 في المئة سنة 2018. وحتى يتسنى لنا الوصول إلى مزيد من الأطفال، فيجب علينا توسيع نطاق عمل مثل هذه البرامج بصورة مستعجلة. ويعني ذلك وجوب إجراء توسعة ضخمة في إمكانية النّفوذ الرقمي إلى معظم المجتمعات المحلية النّائية والأشد ضعفاً، لكي تتم عملية التسجيل على الفور.

لِمَ أنا قلقة؟
هناك أكثر من 1.8 مليار يافع في العالم يقعون في الفئة التي تتراوح أعمارها بين 10 سنوات و24 سنة، وهي إحدى أضخم الفئات العمرية في تاريخ البشرية. ويفتقر هؤلاء، في أغلب الأحيان، إلى سُبُلِ التعليم الذي يؤهلهم لتولي وظائف وفرص عمل حديثة تناسب العصر – من خلال إكسابهم المهارات والرؤية المستقبلية التي يحتاجونها في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. وفي غضون ذلك، فقد انخفض حجم التفاوت النسبي في الدخل بين البلدان خلال الثلاثين سنة الماضية، غير أن التفاوت المطلق في الدخل ازداد بصورة كبيرة، بحيث تم إغفال بعض الأطفال والعائلات ذات الدخل المنخفض وفاتتهم فرص يتمتع بها أقرانهم الموسرون. علاوة على ذلك، تباطأت قابلية الارتقاء الاجتماعي على امتداد السنوات الثلاثين موقعة جيلاً آخر في شَرَكِ الفقر الذي بات يترصد المرء بحسب العائلة التي يولد فيها.

لماذا هناك أمل؟
أطلقت اليونيسف وشركاؤها الدوليون مبادرة جديدة لإعداد الشباب وجعلهم مواطنين منتجين ومشاركين. حيث تهدف مبادرة الجيل الطّليق إلى ضمان التحاق جميع اليافعين بالدراسة وحصولهم على التعليم أوالتدريب أوالتوظيف بحلول عام 2030. ويربط أحد برامج المبادرة في الأرجنتين الطلبة في المناطق النائية مع معلمي المدارس الثانوية بصفة شخصية مباشرة أو عن طريق الإنترنت. وفي جنوب أفريقيا، تتيح مبادرة تدعى ’تكنو غيرل‘ [فتاة التّقانة] للشابات القادمات من خلفيات فقيرة فرص التعلم من خلال ملازمة موظفين متمرسين في ميدان العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وفي بنغلاديش، يتلقى عشرات الآلاف من اليافعين التدريب على مهن من قبيل صيانة أجهزة الهاتف المحمول. ومن خلال برنامج ’تحدي الشباب‘ التابع للمبادرة، نعمل على جمع العقول الشابة اللّامعة بغية حل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم المحلية، ذلك أن الشباب أدرى النّاس فيما يتعلق بحياتهم وتجاربهم. وقد عمل برنامج تحدي الشباب في إطار مبادرة جيل طليق مع أكثر من 800 مبتكِر من 16 بلداً، وانبثقت عنه حلول مبتكرة مثل تطبيق ’سبيك آوت‘ ]اجْهَرْ[على الهاتف المحمول الذي طوره شباب من مقدونيا الشمالية ليكون وسيلة للتواصل مع الأقران سرّاً للحصول على المساعدة حين التّعرّض للتنمّر، وتطبيق ’ريد كود‘ ]الإنذار الأحمر[ من باكستان، وهو عبارة عن مشروع صغير ذاتيّ التّمويل الغرض منه مساعدة الفتيات في قضايا النظافة المتعلقة بالطمث، وكسب الرّزق.


لِمَ أنا قلقة؟
ولدت الشبكة العنكبوتية العالمية في نفس السنة التي ولدت فيها اتفاقية حقوق الطفل، أي قبل 30 عاماً. وقد أحدثت هذه الشبكة تغييراً جذريّاً في عالم اليوم، وقلبت على حد سواء تجربة الطّفولة والرّشد قلباً. ويُعتقد أن أكثر من طفل من بين كل 3 أطفال في العالم يستخدم الإنترنت على نحو منتظم، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة باستمرار كلما كبُر هذا الجيل.

و قد أضحت النقاشات حول فوائد وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال ومخاطرها عليهم أمراً مألوفاً، وثمة حاجة أكيدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات لحماية الأطفال من التنمّر والتعرض للمحتوى الضار. وأصبح الأهل والأطفال أيضاً مدركين لمخاطر إذاعةِ المعلومات الشخصية بشكل زائد عن الحد على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن في الحقيقة، لا تمثل البيانات التي تحويها الحسابات التي أنشأها الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي سوى جزءاً يسيراً من مشكلة البيانات. أما الأمر المفهوم بدرجة أقل وإن كان على نفس القدر من الأهمية فهو التكديس الهائل للبيانات التي يجري جمعها عن الأطفال. فبينما يمضي الأطفال في ممارسة حياتهم اليومية على الإنترنت متصفّحين لمواقع التواصل الاجتماعي ومستخدمين لمحركات البحث ومنصات التجارة الإلكترونية والمنصات الحكومية ولاعبين بالألعاب ومنزلين للتطبيقات ومستعملينَ لخدمات الخرائط الجغرافيّة على الهاتف المحمول، يجري تكديس بصمة رقمية مكونة من آلاف المعلومات عنهم. بل إنّ بعض هذه البيانات يتم جمعها قبل مولد الأطفال وقطعاً قبل أن يصبح الأطفال قادرين على التّمييز للموافقة على جمعها واستخدامها.

إذ أنّ بوسع ما يسمى بعصر ’البيانات الضّخمة‘ أن يُحدث تحولاً –نحو الأفضل– في تقديم الخدمات الفعالة وسريعة الاستجابة والمفصّلة حسب الطلب للأطفال، لكن من شأنه أيضاً أن يؤثّر سلباً على سلامتهم وخصوصيتهم واستقلاليتهم وخياراتهم المستقبلية. كيف لا والإمكانية واردة لإذاعةِ المعلومات الشخصية التي أنشئت في مرحلة الطفولة مع أطراف ثالثة أو مبادلتها لتحقيق الربح أو استعمالها لاستغلال اليافعين –وخصوصاً الأكثر ضعفاً وتهميشاً. وفي هذه الأثناء، يستغل لصوص الهويّات وقراصنة الفضاء الرقمي ثغرات منصات التجارة الإلكترونية للاحتيال على البالغين والأطفال لسلب أموالهم واستغلالهم على حد سواء؛ و تَتَبَّعُ محركات البحث سلوك المستخدمين بصرف النظر عن أعمارهم؛ وتزداد قدرة الحكومات حول العالم على مراقبة النشاط على الشبكة تطوراً على نحو مستمر. علاوة على ذلك، فقد ينعكس تأثير البيانات التي تم جمعها أثناء مرحلة الطفولة على فرص الطفل المستقبلية، من قبيل الحصول على التمويل والتعليم والتأمين والرعاية الصحية. ولما كانت العلاقة بين جمع البيانات واستخدامها والموافقة على جمعها والخصوصية معقدة أصلا حتّى على الكبار، فإن حجم هذا التعقيد سيتضاعف عندما يتعلق الأمر بالأطفال، ذلك أن الذين صمموا الإنترنت لم يضعوا في حسبانهم حقوق الأطفال واحتياجاتهم عندما قاموا بتصميمها، ناهيك عن أن المؤهلين لاستكشاف التعقيدات المتعلقة بإذاعة البيانات وضبط الخصوصية هم قلة من الناس.
وفي أغلب الأحيان، لا يكون لدى الأطفال علم بالحقوق التي يتمتعون بها بشأن البيانات الخاصة بهم ولا يفهمون المضاعفات التي قد تنشأ عن استعمال هذه البيانات ولا يدركون إلى مدى قد تجعلهم عرضةً للضرر. فإذا كان أغلب الكبار ممن هم على درجة عالية من التعليم بالكاد قادرين على فهم الشروط والأحكام المتعلقة بالخصوصية في منصات التواصل الاجتماعي، فما بالك بالأطفال؟ وعلى سبيل المثال، أظهر تحليل نشرته صحيفة النيويورك تايمز‘ أن كثيراً من سياسات الخصوصية في مواقع التواصل الاجتماعي يتطلب مستوى استيعاب يتخطى مستوى استيعاب الطالب الجامعي؛ بمعنى أن الكثير من المستخدمين، وخصوصاً صغار السن منهم، قد يوافقون على أشياء لا يفقهونها تماماً.

لماذا هناك أمل؟
نقف جميعا اليوم أمام تحدٍ يتمثل في ضمان مُعاظمةِ النظم التي نبتكرها من الفوائد الإيجابية للبيانات الضخمة والذكاء الصناعي مع الحفاظ على الخصوصية، عن طريق توفير وسائل الحماية من الأذى وتمكين الأشخاص –بمن فيهم الأطفال– من ممارسة حقوقهم. وقد بدأنا نلحظ إجراءات على هذا الصعيد منها: قيام الحكومات بتعزيز الأطر الناظمة؛ وإدراك المزودين من القطاع الخاص للمسؤوليّة التي تقع على كاهلهم في هذا الصّدد، وتفكير المعلّمين في كيفية تزويد الأطفال بالأدوات التي تمكّنهم من التجول في عالم الإنترنت بأمان. وما كلّ ذلك سوى البداية.
تنصّ اتفاقية حقوق الطفل بوضوح على أن للأطفال حقّاً منصوصاً بالتمتع بالخصوصية، وما من سبب يدعو إلى عدم سحب ذلك الحقّ على شبكة الإنترنت. وعند وضع حق الطفل في التمتع بالخصوصية في سياق النطاق الكامل لحقوقه الأخرى ومصلحته العليا وتطور قدراته، سيتجلى لنا الفرق بين خصوصية الأطفال وخصوصية الكبار من حيث النطاق والتطبيق، لذا فثمة حجة قوية بوجوب توفير حماية أشد صرامة لخصوصية الأطفال.
إذ يجب أن تُتاح للأطفال، كلما استعملوا مواقع التواصل الاجتماعي، إمكانية حقيقية للاختيار بين المشاركة من عدمها فيما يتعلق بكيفية استخدام بياناتهم من قبل المزودين أو المصالح التجارية الأخرى، ويجب أن تكون الشروط والأحكام ذات الصلة واضحة ومفهومة للأطفال. وكما اقترح بعض الأطفال، فلربّما يلزم سحب ذلك على إمكانية حذف الحسابات الماضية على منصّة التواصل الاجتماعي. وفي الحالات التي يتم فيها جمع بيانات عن الأطفال عن طريق تتبع سلوكهم على الشبكة، فإن وجود سياسات خصوصية واضحة وشفافة وسهلة المنال لذو أهمية حاسمة في جعل الأطفال أقدر على إعطاء موافقة واعية فضلاً عن فهم حقوقهم ومعرفة الغاية من استخدام البيانات التي يتم جمعها. لذلك أضحى تجهيز اليافعين بالمعرفة والمهارات اللازمة لكي يتمتعوا بحقوقهم الرقمية أمراً أساسياً.
ويضطلع مزودو خدمة الإنترنت في القطاع الخاص ومنصات التواصل الاجتماعي دوراً رئيسيّاً في تعزيز حماية الأطفال، ويتوجب عليهم صياغة معايير أخلاقية وشفافة وتطبيق إجراءات تدقيق وحماية مشددة فيما يتعلق بنطاق البيانات الخاصة بالأطفال بأكمله، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بموقع الطفل وعاداته في تصفح المواقع وبصفة خاصة ما يتعلق منها بالمعلومات الشخصية.

كما تمثل بعض الأطر الناظمة الجديدة محاولة واعدة بتحقيق التقدم، ومنها النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة الذي ينص على أن لمستخدمي الإنترنت، بمن فيهم الأطفال، الحق بأن يتم تزويدهم بإشعارخصوصيّة شفاف وواضح يشرح الطريقة التي ستتمّ بواسطتها معالجة بياناتهم وينبئهم بإمكانية حصولهم على نسخة من بياناتهم الشخصية وتصحيح أية أخطاء في المعلومات عنهم.
وقد أطلقت الأمم المتحدة مبادرة تدعى ’النبض العالمي‘ تهدف إلى استكشاف الطريقة التي يمكن من خلالها لمصادر البيانات الرقمية الجديدة وتقنيات التحليل المنطقي اللّحظيّ المساعدة على فهم التغيرات على صعيد عافية الإنسان والثغرات الناشئة عن ذلك بشكل أفضل، مع إمكانية دعم التنمية. وقد استطاعت مبادرة ’النبض العالمي‘، عن طريق الاستجابة للمخاوف المشروعة بشأن الخصوصية وحماية البيانات، ومن خلال التشاور مع خبراء الخصوصية، أن تطور مجموعة من مبادئ الخصوصية تضمن الشفافية فيما يتعلق بالغرض من استخدام البيانات، وحماية خصوصية الفرد، والإقرار بضرورة الحصول على الموافقة المناسبة على استخدام البيانات الشخصية، واحترام القدر المعقول من الخصوصية، إلى جانب بذل كل جهد معقول للحيلولة دون حدوث عمليات غير قانونية وغير مبررة للتلاعب ببيانات تعريف الأشخاص.

لِمَ أنا قلقة؟
لكل طفل الحق في المشاركة الفاعلة في مجتمعه، الأمر الذي يقوم به الكثيرون لأوّل مرّة على شبكة الإنترنت. لكنّ أغلبكم أبناء بيئة رقمية متشبعة بالمعلومات المضلّلة وبما يُسمّى بـ ’الأخبار الملفّقة‘، مما يقوض الثقة بمصادر المعلومات والتّفاعل مع المؤسسات. وتشير الدراسات اليوم إلى أن كثيراً من الأطفال واليافعين يجدون صعوبة في التمييز بين الحقيقة والخيال على الشبكة العنكبوتية، وبالتالي سيلاقي جيلكم صعوبة أكبر في معرفة بمن يثق وبم يثق.
وقد توصلت لجنة بريطانية معنية بالأخبار الكاذبة يدعمها مجلس النّواب وتُدار شراكةً مع ’فيسبوك‘ ومجلة ’فيرست نيوز‘ وصحيفة ’ذا داي‘، إلى أن ربع الأطفال فقط ممّن يقرؤون الأخبار عبر الإنترنت يثقون فعلاً بالمصادر التي يقرؤونها. و قد يظنّ المرء إلى اعتبار ذلك إشارةً إيجابية على إعمال مهارات التفكير النقدي السليم، لكن الدراسة نفسها وجدت أيضاً أن 2 في المائة فقط من الأطفال واليافعين في المملكة المتحدة يمتلكون مهارات القراءة والكتابة النقدية التي يحتاجونها لمعرفة ما إذا كان التّقريرالإخباريّ حقيقيّاً أم زائفاً. وعلى نحو يبعث على القلق، فقد قال ثلثا المعلمين تقريباً إنهم يعتقدون أن الأخبار الملفّقة تضر بالأطفال نظراً لكونها ترفع مستويات القلق عندهم وتشوه رؤيتهم للعالم. ومن جهة ثانية، وجدت دراسة أجريت في مدارس من 12 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية لتقويم عملية ’الاستدلال العقلي المجتمعي على الإنترنت‘ –أو القدرة على الحكم على صدقيّة المعلومات في شبكة الإنترنت– أنه لدى تقويم المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي تبيّن أنه من السّهل خداع الأطفال والشباب.
و نعلم جميعاً أن الأثر الذي تتركه المعلومات المضللة مؤذٍ وأن لها انعكاسات على العالم الحقيقي. فعلى سبيل المثال، تم تضليل آلاف من آباء الجيل الحالي عن طريق معلومات تم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل على الهاتف المحمول بشأن سلامة اللقاحات، الأمر الذي أثار موجة من التردد في أخذ اللقاحات وانبعاث مقلق للأمراض الفتاكة في البلدان مرتفعة ومنخفضة الدخل على حد سواء، بما فيها فرنسا والهند والفلبين.
وقد نجحت بعض حملات التضليل في خداع الأطفال وجعلهم يدفعون المال أويقدمون بياناتهم للآخرين، مثلما نجحت في التغرير بهم واستغلالهم من أجل الجنس. وقد رأينا في السنوات القليلة الماضية كيف يمكن للتضليل المعلوماتي من أن يعبث بالنقاش الديمقراطي ليحرفه عن سِكَّتِهِ وبنوايا الناخبين ومن بث بذور الشك في الجماعات الإثنية والدينية والاجتماعية الأخرى – مما يخلق الفرقة وعدم الاستقرار. وقد بات التضليل قضية عالمية، حيث صدرت تقارير عن بلدان شتّى مثل البرازيل وأوكرانيا والولايات المتحدة دفعت حملات التضليل المتطورة فيها السلطات إلى إعطاء دروس في المدارس بعنوان ’تعلَّم لتتبيّن‘. وفي ميانمارأيضاً، يُزْعَمُ أن حملة تضليلية لعبت دوراً في التحريض على الفظائع بحقّ أقلية الروهينغا.

كل هذا ما هو إلّا غيضٌ من فيضِ زمن ما بعد الحقيقة. ونظراً لتطور تكنولوجيا الخداع وتزايد صعوبة التثبت من صحة المحتوى، فإنّ حالة تدني الثقة في المؤسسات والتنازع الاجتماعي في تعاظم. فمع توفر تقنية متطورة للتلاعب بمقاطع الفيديو، على سبيل المثال، باستخدام وسائط ذكاء صناعي تركيبية بات تشويه الحقيقة والتلاعب بها أكثر سهولة لدرجة جعل الأمر يبدو وكأن أشخاصاً قالوا أشياء لم يقولوها في ما يسمى بـ ’التزييف العميق‘. وإذا ما تقدمت هذه التقنيات دون أن تكون هناك أية إجراءات للتخفيف من أثرها من شأنها مساعدة الجيل القادم على طَرْحِ المزيّف، فإنها ستكون سبباً في تقويض الثقة في العلوم والطب، وسبباً في تآكل المؤسّسات والمعتقدات الأساسية وفي لذا الفُرقة في المجتمعات، وستشكل تهديداً خطيراً على ديمقراطياتنا.
لم يعد بمقدورنا بعد اليوم الركون للاعتقاد السّاذج بأنّ الحقيقة قادرة بذاتها على التغلّب على الزّيف في العصر الرقمي. بل يجب على مجتمعاتنا بناء قدرة مناعية ضد طوفان الزيف اليومي على شبكة الإنترنت. وينبغي علينا أن نبدأ العمل بتزويد شبابنا بالقدرة على الفهم الذي يمكّنهم من تمييز مَن الذين يمكنهم الثقة بهم وما الذي يمكنهم الوثوق به في الميدان الرقمي بحيث يصبحون مواطنين فاعلين ومشاركين.

لماذا هناك أمل؟
ثمة بعض الدلائل التي تشير إلى أنّ بوسع الرّاشدين أن يثقوا بقدرة الأطفال والشباب على تمييز المُلَفّق. إذ وجدت دراسة نشرتها الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممّن هم فوق سن ال 65 قد اعادوا نشر سبع أضعاف عدد المقالات الصّادرة عن المواقع الاخباريّة الملفّقة التي نشرتها الفئات العمرية الأصغر سنّاً. وعلى الرغم من عدم وجود تفسير بعد للأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، إلا أنها قد تشير إلى أن تحلّي ’أبناء العصر الرقمي‘ بمستوى أعلى من القدرة على القراءة الرقمية والاجتماعية يعمل بمثابة مصفاة واقية. ومع ذلك، فمن الواضح أننا بحاجة إلى العمل بجد أكبر من أجل إعداد مواطنين يتحلون بالفطنة لمقاومة التلاعب وللاحتفاظ بثقتهم بمصادر المعلومات الصّحيحة والتي من الممكن التثبت منها وبالمعرفة المؤسّسيّة المتوارَثة.

وفي حين تبدو منصات التواصل الاجتماعي جدية في محاولتها محاربة التضليل والعمل مع مؤسسات إخبارية بغية وسم المصادر الموثوقة بعلامة مميّزة، إلا أنه لا يسعنا الاعتماد على جانب التّوريد فقط بشأن بالحلول. فللأطفال حقّ الحصول على التعليم الذي يهيئهم للتعامل مع العالم الذي سيعيشون فيه، وقد بات هذا الحق يشتمل اليوم على الإلمام التام بمهارات التقنيات الرقمية والتواصلية والتفكير النقدي وتقدير قوة الأدلة. وسوف يدرج مدير منظمة التعاون الاقتصادية والتّنمية أسئلة تتعلق بالتمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي في الجولة المقبلة من اختبارات التّقويم الدولي للطلبة، وهي اختبارات تتسم بتأثير كبير، وذلك من منطلق اعتقاده بأن التقدير النقدي للأشياء يقع ضمن المؤهلات الشاملة. ومن شأن مبادرات مماثلة أن تساعد في تعميم تدريس مهارات الإلمام بالتقنيات الرقمية والتدريب عليها والتي قد تكون من ضمن المهارات الأكثر أهمية بالنسبة للجيل القادم. علاوة على ذلك، يجب علينا العمل بجد لبناء صلات ذات معنى بين اليافعين والمؤسسات ولإعادة بناء الثقة إذا ما أردنا صون المجتمعات الديمقراطية في المستقبل.
كلمة أخيرة...
في النهاية، فإن الباعث الأكبر على الأمل هو أنتم –يا أطفال ويافعي اليوم– إذ تقفون في طليعة المطالبين بالتّحرّك العاجل، وتقوّونَ أنفسكم بإقبالكم على التعلم عن العالم المحيط بكم وصياغة شكله. إنّكم اليومَ تتخذون موقفاً ونحن نصغي إليكم.
ومثلما ارتقى أطفال عام 1989 ليصبحوا قادة اليوم، فأنتم يا أطفال ويافعي عام 2019 قادةُ المستقبل، وأنتم مصدر إلهامنا.
إنّنا نريد أن نعمل معكم يداً بيد من أجل إيجاد الحلول التي تحتاجونها لمواجهة تحديات اليوم وبناء مستقبل أفضل لأنفسكم وللعالم الذي سوف ترِثون.

هنرييتا ﻫ. فور
المديرة التنفيذية لليونيسف