"تمّ تزويجي وأنا في سنّ الثالثة عشر"

في حين ينزلق لبنان أكثر فأكثر في أزماته المتعددة العميقة، يلجأ بعض من فيه، من الأسر الأكثر ضعفا، الى آليات عدة للتأقلم، كردة فعل على حالة اليأس التي تجتاح الأفراد. فالديون أصبحت تُرهق كاهل الأهل ما يجعلهم يُجبرون طفلاتهم الصغيرات على الزواج

يونيسف لبنان
Refugee Camp in bekaa valley
UNICEF2021/Diego-Ibarra/Lebanon
17 كانون الأول / ديسمبر 2021

في حين ينزلق لبنان أكثر فأكثر في أزماته المتعددة العميقة، يلجأ بعض من فيه، من الأسر الأكثر ضعفا، الى آليات عدة للتأقلم، كردة فعل على حالة اليأس التي تجتاح الأفراد. فالديون أصبحت تُرهق كاهل الأهل ما يجعلهم يُجبرون ’طفلاتهم الصغيرات على الزواج.

هنا، نتذكر قصّة فتاة تزوجت وحملت وطلّقت وهي لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها! وما حدث معها يؤكد أن زواج الأطفال لا ولن يكون حلا أبدا، وأنّ هناك حاجة ملحة لمزيد من الدعم من أجل منع زواج الفتيات المبكر ومساعدتهن من أجل تحقيق أنفسهن.

"نجاح"، لاجئة سورية وأم لخمسة أطفال، تخبر "ما نعيشه اليوم صعب جدا على كل أسرة في لبنان. ونحن نحاول إيجاد السبل لحماية أسرنا وتوفير ما يلزم من مال كي لا يجوع أحدنا. وأعترف أنني من خلال سعيي من أجل توفير الأفضل لإبنتي الصغرى إقترفت خطأ فادحا".

نجاح، في الأربعين من عمرها، منفصلة عن زوجها، وتعيش مع أطفالها في أحد المخيمات العشوائية في لبنان.

 ورهف، إبنتها الصغرى، لها من العمر الآن 15 عاما. "اعتقدتُ أنها ستكون في أمان إذا تزوجت. لأنني رأيتُ فتيات كثيرات في عمرها يتعرضنّ الى مزيد من التنمر والعنف الجنسي. لذا، حين قرع أحد الشباب بابنا طالبا الزواج من رهف أجبته: نعم. هو قرار سأندم عليه طوال عمري" تقول الوالدة.

Rahaf, 15 years old
UNICEF2021/Diego-Ibarra/Lebanon

قصّة رهف

نصغي الى رهف وهي تُخبّر قصتها: "تزوجتُ في سن الثالثة عشر من شابٍ في الثامنة عشرة من عمره. لم أكن أعرفه من قبل ولم أكن أرغب في الزواج لكن والدتي أصرّت على ذلك ولم تترك لي خيار الرفض أو القبول فوافقت على مضض أن أصبح عروسا.

يومها، كنتُ على مقاعد المدرسة. كنتُ فرحة في ذهابي إليها. كان لديّ أصدقاء، نلعب معا، نتعلم معا، نتحدث عن المستقبل ونبتسم ونحلم ونتمنى. ويوم تزوجت إنتهى كل ذلك. إنتهت كل أحلامي. وتتابع رهف: على الرغم من صغر سني لكني توقعتُ ما قد يحصل معي. والدتي أخبرتني أن هذا الرجل سيعتني بي وسيؤمن لي مستقبلا أفضل. أخبرتني أن هدف كل فتاة في هذه الحياة أن تُصبح زوجة وأما".

بعد ثلاثة أسابيع من زواجها، حملت رهف وهي لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها. وسرعان ما بدا زوجها عدوانيا. والدتها نجاح، التي دفعتها الى الزواج، خافت عليها وعلى جنينها فأعادتها الى منزل أهلها الذي غادرته قبل أشهر قليلة.

رهف، التي بلغت اليوم سن الخامسة عشر، لا تزال ملامح الطفولة بادية عليها. وهذه الفتاة اليافعة التي كبُرت قبل الأوان تعرضّت الى صدمة بليغة يفترض أن لا تتعرض لها أي إمرأة على وجه هذه الأرض.

“When my daughter was born, he came to take her from me. I’ve never seen her since” 

يرتجف صوت رهف وهي تتذكر "عشتُ مع زوجي ثلاثة أشهر فقط. ويوم ولدت طفلتي أخذها ومضى. ولم أرها منذ ذاك الحين". مأساة تُضاف الى مأساة.

مؤسفٌ جدا ما يحصل. مؤسف أن يُصار الى تزويج الفتيات في عمر مبكر، وفي شكل متزايد، كإستراتيجية تعتمدها المجتمعات اللبنانية والسورية الأكثر ضعفاً. وفيها، أن كل فتاة تتزوج باكرا يتقلص عدد الأفواه التي تحتاج داخل الأسرة الى طعام! هو الهروب من مشكلة الى مشكلة أكبر، بدليل أن التجربة التي مرّت فيها رهف تركت ندوبا عميقة لن تُمحى.

والدة رهف نجاح تعترف "إرتكبتُ خطأ فادحا. ظننتُ أن زواج رهف سيحميها لكن حدث العكس تماما. كان يفترض بي الإعتناء بها بنفسي. كان يجب أن تذهب الى المدرسة وتتعلم ثم تختار ما تراه مناسبا".

ها هي رهف تجلس اليوم مع والدتها في الخيمة الصغيرة. إنها تتوق لرؤية طفلتها وضمها الى قلبِها وصدرها. وكم تتمنى لو تعود بها عقارب الوقت الى الوراء، الى زمنٍ كانت تحلم فيه، وتستعيد طفولتها الضائعة.

تقول "حين أتطلع الى الأمام، الى المستقبل، أرى الأشياء متشابهة. أريد أن أستعيد طفولتي. فلو لم أجبر على الزواج لكنتُ اليوم أكمل دراستي". أن رهف، والبنات مثلها، يحتجن الى دعم مستمر ليتمكنّ من التعبير عن أنفسهن وإطلاق قدراتهنّ.

“I want her to have a chance to start over – to find a place in school, and to learn the life of a young girl again”

تصرّ والدة رهف اليوم على عودة إبنتها الى حياتها السابقة وتقول "أريد أن تتاح لها فرصة الإنطلاق مجددا- أتمنى أن تجد من جديد مقعدا في المدرسة وأن تعيش وتتصرف كما كل البنات بعمرها وتكون قادرة على إكتشاف إمكاناتها الكاملة وتكون حياتها مفتوحة على إحتمالات وفرص عديدة".

عائلة نجاح تتلقى مساعدة نقدية قدرها 500,000 ليرة لبنانية في الشهر (أي ما يعادل نحو 40 دولارا بسعر الصرف في السوق السوداء في الربع الأول من العام 2021) لكن ديون العائلة تستمر كثيرة وتتزايد يوما بعد يوم. نجاح تبدو دائمة القلق على مستقبل أفراد أسرتها وتقول "أملي ضئيل، لا بل مستحيل، في تغيير واقعنا. وكل ما يحصل، وما قد يحصل، خارج عن إرادتي. والأمر الوحيد الذي بتّ مقتنعة تماما فيه هو وجوب أن لا تتزوج أي فتاة قبل أن تتابع دراستها. لا خيرٌ يتأتّى من تزويج أطفالنا". 

Rahaf, 15 years old at her family tent
UNICEF2021/Diego-Ibarra/Lebanon

عمل اليونيسف

تدعم اليونيسف، مع شركائها في مجال العنف القائم على النوع الإجتماعي، أسرة نجاح من خلال برنامج توعية موجّه للأسر الأكثر ضعفاّ. تلتزم نجاح اليوم في برنامج مقدمي الرعاية وبرنامج الدعم النفسي الإجتماعي المركّز ضمن برنامج التربية الإيجابية. رهف تلقت بدورها الدعم النفسي الإجتماعي. صحيح أن رهف لم تعد الى المدرسة بعد لكنها تُشارك حاليا بالأنشطة الهادفة الى تمكين الفتيات في لبنان من خلال تعزيز خدمات الوقاية والإستجابة للنساء والفتيات المعرضات للخطر والناجيات من العنف.

دعمُ اليونيسف متعدد الأوجه. تعمل اليونيسف أيضا على مساعدة عائلة نجاح من خلال توفير خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة لمخيمات النزوح. وذلك من خلال نقل المياه النظيفة الى المخيم والتخلص من المياه الآسنة وإعادة تأهيل المراحيض وتوزيع خزانات المياه ونشر أنشطة تعزيز النظافة.

على المستوى الوطني العام، تتعاون اليونيسف مع وزارة الشؤون الإجتماعية في لبنان على تطبيق الخطة الإستراتيجية لحماية النساء والأطفال، وتركز هذه الخطة على تعزيز دور الوزارة القيادي والتنظيمي في مجال حماية الطفل.

تتعاون اليونيسف أيضا مع وزارة الشؤون الإجتماعية في سبيل إعداد "خطة العمل الوطنية للوقاية والإستجابة لتزويج الأطفال"، وتهدف الى خلق مزيد من التعاون عبر القطاعات من خلال تأمين الحماية والتعليم والصحة وسبل العيش والدعم النقدي من أجل منع زواج الأطفال والإستجابة له. ومن شأن ذلك تعزيز المعايير الإجتماعية التي تشجع على أن يأتي الزواج في سياق الموافقة الكاملة بين شخصين بالغين. بالإضافة الىالخطة الإستراتيجية لمبادرة "قدوة"- وهي خطة تهدف الى تغيير السلوكيات الإجتماعية والحث على التواصل للمساعدة في منع زواج الأطفال وتعزيز آليات مواجهة عمل الأطفال والعنف ضدّ الأطفال والنساء.

اليونيسف، تعمل على توفير خدمات حماية الطفل، للفتيان والفتيات المعرضين الى مخاطر العنف، وذلك في مختلف أنحاء لبنان. وتعمل ايضا على تمكين نحو 200,000 شخص من الوصول الى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة سنويا، والوصول أيضا الى التعليم من خلال برنامج LOUISE  التابع الى الأمم المتحدة للمساعدة النقدية للاجئين.

 يُصار الى دعم برنامج حماية الطفل التابع الى اليونيسف من قِبل "مكتب الخارجية والكومنولث والتنمية" في المملكة المتحدة البريطانية، الصندوق الأوروبي الإتماني "مدد"  ومكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لحكومة الولايات المتحدة الأميركية وحكومات كندا وسويسرا والنروج و لجنة اليونيسف الوطنية الفرنسية.

**تم تغيير الأسماء في هذه القصة لحماية هوية الفتاة وعائلتها