تؤدي الأزمة المتفاقمة في لبنان الى فقدان الأطفال الأمل وتمنع الأسر من توفير أساسيات الحياة
كشف تقرير جديد أعدته اليونيسف الواقع المزري للأطفال في لبنان، بعد مرور ثلاثة أعوام على أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، وأصبح لزاما على الكثيرين منهم العمل لإعالة أسرهم، ما أدى الى تدهور صحتهم النفسية نتيجة حرمانهم من أساسيات العيش

- متوفر بـ:
- English
- العربية
بهاء، البالغ من العمر 13 عاما، يقف تعبا منهكا في حفرة ميكانيكية مظلمة، في الورشة التي يعمل فيها، متفحصا الجزء السفلي من إحدى السيارات.
يقول بهاء وهو يحاول إخفاء دموعه "لو كان لديّ أملا لكنتُ أعربتُ عنه من قبل، منذ زمن طويل، الآن، لم يعدّ لديّ أيّ أمل في أيّ شيء".
قلبت الأزمات المتراكمة حياة الاطفال في لبنان رأسا على عقب، بدءا من الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، منذ ثلاثة اعوام، مرورا بجائحة كوفيد-19، وصولا الى تفجيرات بيروت المدمرة واستفحال الغلاء.
“يمكن أن يكون لفقر الأطفال عواقب تدوم مدى الحياة، ما يؤثر على قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة”
يسلّط تقرير جديد صادر عن اليونيسف بعنوان "الطفولة المحرومة" الضوء على واقع مؤلم تعاني منه جميع الأسر على حدٍّ سواء، في مختلف أنحاء لبنان، وأدّى الى سقوط البلاد والعائلات في براثن الفقر، ما أثر بشدّة على صحّة الأطفال ورفاههم وتعليمهم وتسبب بزعزعة العلاقات الأسرية.
يقول ممثل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر "أنه الى جانب تأثير الأزمات المباشر على رفاهية الأطفال، يمكن أن يكون لفقر الأطفال عواقب تدوم مدى الحياة، ما يؤثر على قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة ويؤدي الى إستمرار مكوثهم في دوامة الفقر والحرمان".
بعدما ادرك بهاء أن راتب والده لم يعد كافيا لإعالة الأسرة، إتخذّ قراره بالعمل مع عمه للمساعدة في دفع نفقات أسرته. وبذلك، اصبح بهاء في عدادِ بحثٍ يقول أن هناك عائلة لبنانية من كل خمس، في مختلف أنحاء البلاد، ترسل طفلا الآن الى العمل من أجل زيادة دخل الأسرة.
“لو كان لديّ أملا لكنتُ أعربتُ عنه من قبل، منذ زمن طويل، الآن، لم يعدّ لديّ أيّ أمل في أيّ شيء”

إدراك الأطفال لواقعهم ولحجم الأزمة الإقتصادية والحرمان الذي هم فيه، دفعهم الى الإستسلام وأدى الى تضاؤل الأمل لديهم بالمستقبل وجعهلم عرضة لأزمات صحية نفسية شتى.
كذلك، أظهر بحث اليونيسف أن الأسر في لبنان تعاني من فقر متعدد الأبعاد، بسبب إنتشار البطالة، ما يعني أن مستويات الدخل ليست وحدها التي ما عادت تكفي، بل أن تلك الاسر ما عادت قادرة حتى على توفير أساسيات العيش الى أطفالها.

تبدل أسلوب حياة الأسر في لبنان كثيرا، حتى بين هؤلاء الذين كانوا يعتبرون ضمن الطبقة الوسطى، فها هم يعانون الآن من إستحالة تسديد قيمة النفقات الاساسية التي أصبحت تفوق قيمة دخلهم الشهري.
نتيجة التضخم المستمر، وإرتفاع أسعار السلع الأساسيّة، الى جانب معدلات البطالة المرتفعة، فإن 84% من الأسر التي تحدثت عنها اليونيسف أخيرا، لا تملك ما يكفي من مال لتغطية حتى الضروريات، ما أدى الى ذهاب 23% من الأطفال الى الفراش جائعين.

تضطرّ 70% من الأسر الى إقتراض المال لشراء الطعام، ويضطرّ البعض الى بيع أثاث المنزل لتوفير الطعام الى أفراد العائلة.
من جهته، يشعر الطفل بهاء بأن مسؤولية أعباء منزله أصبحت على عاتقه، ويعرف أنه لا يستطيع أن يُعرب لهم عما يشعر به من إحباط وقلق، ولا يجد من يهمس له بمشاعره إلا الهرة التي يعتبرها صديقته الوحيدة.
"عندما أعود الى المنزل من عملي، متعبا، خائر القوى، أخبرها كل ما يجول في بالي ويزعجني، على الرغم من معرفتي أنها لن تستطيع ان تجيبني. يكفي أنها تستمع إليّ ويمكنني التعبير لها عن مشاعري".
“عندما أعود الى المنزل من عملي، متعبا... أخبرها كل ما يجول في بالي ويزعجني. يكفي أنها تستمع إليّ ويمكنني التعبير لها عن مشاعري”

والدة بهاء ختام، تفهم كل القلق الذي يجتاح طفلها، وتشعر بحزنٍ شديد لأنه يعاني من الألم نفسه الذي تعاني هي منه.
بسبب الوضع الإقتصادي، تنهار العلاقات الأسرية، وبات شبه مستحيل أن يوفّر مقدمو الرعاية ما يحتاج إليه كل طفل وتلبية رغباته.
كل ما يمرّ به الأطفال اليوم يؤدي الى تأثر علاقتهم بمقدمي الرعاية فيتلاشى، بشكلٍ أو بآخر، إحترامهم للآباء والأمهات في مختلف أنحاء لبنان وهو ما يخلق لدى الأأهل بدوره شعورا بالذنب.
تقول الوالدة ختام: "إذا رأيتم بهاء اليوم، وهو يعمل مع عمّه، فستعتقدون أنه رجل لا طفل... في النهاية، فقدنا سلطتنا الأبوية عليه... وهو أصبح يردد أمامنا: يمكنني أن أفعل كل ما اريد" تضيف "كوالدة، تعيش في ظروف لبنان، فإن الحياة أصبحت صعبة للغاية. وهناك شعور بالذنب يلازمنا دائما".

“كوالدة، إن الحياة أصبحت صعبة للغاية. وهناك شعور بالذنب يلازمنا دائما”
زوج ختام محمد يعرب عن شعوره بالتعب الشديد ومن إنتقاص كبير في دوره كأب ويقول "أيدينا مقيدة ومكبلة. وإذا لم نتمكن من الخروج من وضعنا المعيشي المأساوي الراهن فماذا سيحدث مع إبني بهاء؟ هذا ما أفكّر به كأبّ".
الإحساس بالإحباط كبير جدا لدى الآباء بسبب عجزهم عن منح اطفالهم ما يحتاجون إليه من اولويات.
مع إنهيار "هيكل الأسرة" على من فيه، وجدت أبحاث اليونيسف أن 36% من مقدمي الرعاية يشعرون بأنهم أصبحوا أقل تسامحا مع أطفالهم ويعاملونهم بقسوة أكبر.
“أيدينا مقيدة ومكبلة. وإذا لم نتمكن من الخروج من وضعنا المعيشي المأساوي الراهن فماذا سيحدث مع إبني بهاء؟ هذا ما أفكّر به كأبّ”

شهد لبنان، على كافة أراضيه، تصاعدا في أعمال العنف منذ بداية الإنهيار الإقتصادي، واصبح الناس يتصارعون من أجل البحث عن كيفية البقاء على قيد الحياة.
أثّر كل ذلك سلبا ليس على مقدمي الرعاية وحسب بل على الأطفال أيضا، لأن العنف ينتشر غالبا في الشوارع وبين المجتمعات ويتحول أحيانا الى نزاع مسلح، ما يعيق قدرة الاطفال، لا سيما الفتيات الصغيرات، على ممارسة الحقّ باللعب في خارج المنزل.
نظرا الى محدودية الوصول الى الخدمات الإجتماعية في لبنان، تدعم اليونيسف الأطفال الضعفاء الذين تأثروا بالأزمة.

ومن الوسائل التي استخدمتها في الإستجابة للإنهيار الإقتصادي، تقديم المنح النقدية التي تدعم الأسر وشراء الأدوية ودعم علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد وتوفير مكملات المغذيات الدقيقة ودعم خدمات المياه والتعليم، فضلا عن دعم الحكومة لإنشاء الإستراتيجيات والقوانين التي تحمي الأطفال.
يبقى أن الإصلاحات المالية وخلق فرص العمل، كجزء من الإنتعاش الإقتصادي الشامل، لهو امر بالغ الأهمية لمعالجة ما يعيشه الأطفال في لبنان من حرمان، وهو ما قد يساعد الأطفال، مثل بهاء، الى إستعادة الثقة مجددا بأن الآتي لا بُدّ أن يكون أفضل والمستقبل لهم.