ملاذ للأطفال وسط ظروف معيشية في غاية الصعوبة في مخيم للاجئين في لبنان

رسالة من مخيم شاتيلا

جولييت توما
07 تموز / يوليو 2022

 

لطالما ارتبط مخيم شاتيلا بالعنف والقتل والمخدرات، وهو مخيم مٌكتظّ يقع على بُعد بضعة كيلومترات من مدينة بيروت.

تبدأ الزيارة بالمرور قرب مدافن للآلاف ممّن قُتلوا منذ حوالي 40 عامًا. وصلنا سوق مزدحم تجد فيه كل ما تحتاجه: الفواكه الموسمية الطازجة واللحوم والأسماك والملابس والألعاب. يأخذنا السوق في أزقة كمتاهة لا تنتهي. يعيدني المشهد إلى ما سبق وأن رأيتهُ في زيارتي الأخيرة إلى مخيم آخر في لبنان، يغرق في أسلاك الكهرباء المتشابكة والأنابيب التي ينقط منها الماء والطرق غير المعبدة والضيقة التي بالكاد تتسع للمارّة. المباني عموديّة ضيّقة كضيق الأزقة التي بُنيت عليها. جعلتني الطوابق المبنية فوق أخرى صغيرة مثلها أفكر كم كان فيلم الرسوم المتحركة "البُرج" واقعياً.

Tangled electricity wires, Shatila Palestinian Refugee camp, 2022
UNICEF/Lebanon/2022/UN0665267/Touma

لمن سبق له منكم وأن زار بعض مخيمات اللاجئين الاثني عشر في لبنان، فإن هذه المشاهد قد تبدو مألوفة. لم يكن هناك شيء جديد بالنسبة لي أيضًا، إلى أن وصلنا إلى "بيت أطفال الصمود".  يقدم المركز، وهو أحد شركاء اليونيسف في مخيم شاتيلا، الخدمات للأطفال منذ عام 1976 في مخيمات اللاجئين في لبنان. يضمّ الطابق الأرضي عيادة أسنان للأطفال، وهي العيادة الوحيدة التي تقدّم خدمات مجانية في المخيم.

a children’s dentist clinic in Shatila Camp
UNICEF/Lebanon/2022/Touma

يعلو صوت الموسيقى حيث يلعب الأطفال ويرقصون. هنا، يتعلم الأطفال عزف الموسيقى بعيداً عن الظروف الصعبة في الخارج، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهي الأسوأ في العالم منذ أكثر من قرن بحسب البنك الدولي.

Children play music in Shatila camp
UNICEF/Lebanon/2022/Taawun Group

يخبرنا قاسم، وهو رجل لطيف بشوش الوجه، أنه اضطر لترك قريته في الجليل عام 1948. يقوم قاسم مع فريق من المتطوعين بتقديم الخدمات للأطفال، ومن ضمنها روضة أطفال. أخبرنا المتطوعون أنهم بالكاد يغطّون نفقاتهم وبأنه لا يوجد لديهم ما يكفي من المال لمواصلة العمل في المركز. وبالرغم من ذلك، فإنهم يحضرون كل يوم للعمل مع الأطفال. التقينا مع رنا، ابنة الخمس سنوات، وهي تتعلم كيف تزرع النباتات في أُصُصٍ صغيرة، وهو نشاط يعزز الصحة النفسية للأطفال. أما الطابق العلوي، فيضمّ مكتبة مليئة بالكتب للأطفال والشباب. قدم هادي، ابن الـ 12 عامًا، أغنية عن حقوق الأطفال، بما فيها التعلم والحلم. إنها الأحلام والتطلعات التي يشاركها الأطفال حول العالم.

Kassem, a smiley kind man, told us he had fled his village in the Galilee in 1948
UNICEF/Lebanon/2022/Taawun Group

خرجنا من المركز للقاء خالدات التي تدير مؤسسة "تضامن"، و هي مؤسسة تقدّم المساعدة النفسية للأطفال. أخبرتنا خالدات أن الاحتياجات في المخيمات تفاقمت في السنوات الماضية بسبب الازدياد الكبير في عدد السكان. لم يعُد مخيّم شاتيلا، كحال معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان، يستضيف لاجئي فلسطين فقط. لقد أصبحت المخيمات على مرّ السنين "موطنًا" للكثيرين: فمن اللاجئين السوريون الذين اضطروا الفرار من الحرب المستمرة على مدى 11 عامًا في بلدهم، إلى اللاجئين الفلسطينيين الذي قدِموا من سوريا، خاصّة حين بلغ العنف ذروته في مخيم اليرموك، إضافة إلى من لجأ إلى المخيم على مدى العامين الماضيين من عائلات لبنانية فقيرة وعمال مهاجرين من أفريقيا الذين لجأوا إلى المخيمات بسبب الأزمة في لبنان والأوضاع عقب انفجار مرفأ بيروت وجائحة "كوفيد-19". لقد أصبحت المخيمات أكثر ازدحامًا، والخدمات غير كافية، كما أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، وهي المزود الرئيسي للخدمات، تعاني من نفاذ الأموال ليس فقط في لبنان ولكن في كافّة أنحاء المنطقة.

مع ذلك، ورغم كل الصعاب، تواصل خالدات والطاقم العامل معها في العمل. في غرفة صغيرة جلس الأطفال حول طاولة وانهمكوا بتركيب بيوت من لعبة قطع البناء التي حصلوا عليها بفضل شراكة اليونيسف مع مؤسسةLego . كانوا في المركز كجزءٍ من الأنشطة الصيفية، حيث طلبت سماح، مرشدة الأطفال منهم أن يتخيلوا البيت الذي "يحلم" كلّ منهم به. من بين الأطفال الـ ،12 كان رامي الفتى الوحيد الذي يذهب إلى المدرسة. لم يكن بمقدور الأطفال القادمين من سوريا دائمًا الحصول على الأوراق التي يحتاجونها للدراسة. كما أن المدارس الحكومية في لبنان تواجه صعوبات جمة، بما فيها دفع رواتب المدرسين، مع تراجع العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها اذ فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها.

محطتنا الأخيرة كانت المدرسة التي تديرها الأونروا، وهي المدرسة الوحيدة في المخيم. بدت المدرسة نظيفة ومليئة بالملصقات والنشرات التوعوية على الجدران. هذه المدارس هي بصيص أمل في لبنان والمناطق التي تعمل فيها الأونروا. وهي إحدى الأماكن القليلة التي يمكن لأكثر من نصف مليون طفل من لاجئي فلسطين أن يتعلموا ويلعبوا فيها ويكونوا مجرّد أطفال في بيئة محميّة.

على الرغم من الظروف المعيشية المروّعة والوضع الاقتصادي والأفق المحدود لملايين اللاجئين، تستمر المدارس والمنظمات، والأهم من ذلك الأشخاص مثل قاسم وخالدات، في العمل الدؤوب. السؤال هو حتى متى …لكن إلى أن يحين الوقت، يستحقون منّا كل الدعم.

تركت المخيم وأنا أفكر في الأزمة المستمرة في أوكرانيا وكيف أنه بالرغم من أهميتها أصبحنا نواجه تضاؤل تمويل ما يوازيها أهمية من عمل منقذ للحياة تقوم به الأمم المتحدة في أنحاء المنطقة. كما ويجب أن نتقاسم عبء جميع الأزمات بصورة جماعية. والأهم من ذلك، يجب البحث عن حلول سياسية للأزمات لتحقيق العدالة وإنهاء المعاناة المستمرة منذ عقود لملايين الناس.

* جولييت توما هي المديرة الاقليمية للمناصرة والإعلام في مكتب يونيسف للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي ستشغل قريباً منصب مديرة الإعلام في الأونروا في كافة مناطق عملها.

A kid playing with Lego in Shatila camp
UNICEF/UN0665264/Touma
للمزيد من الصور