"أصبح الوضع هذه السنة أكثر سوءا بكثير. يفتقرُ أطفالي الى كل شيء، لا طعام، لا ملابس، ولا شيء أبدا!"

العيش في مخيّم برج البراجنة ليس سهلا. الظروف المعيشية سيئة جدا. واتجهّت الأحوال في الأشهر الثمانية عشر الماضية في المخيّم، كما حالها في كل لبنان، نحو منعطفٍ أكثر سوءا

يونيسف لبنان
An alley in Burj El-Barajneh
UNICEF2021/Lebanon
18 حزيران / يونيو 2021

هي قصّة أربع عائلات، من جنسيات مختلفة، تعيش في مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية.

يوم التقيتُ بيان وأطفالها، في غرفة الجلوس التي تُشكّل كل منزل الأسرة، بدت في ذهول. كانت تتحدث بقلق، بعينين مملوئتين باليأس والخوف. منزلها كان خاليا من النوافذ ولوح خشبي استخدم في سدّ المدخل جزئيا. "هو يحول دون عبور الفئران الى داخل الغرفة". هذا ما شرحته لنا.

أنشئ مخيم برج البراجنة عام 1949 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين أتوا إليه، بغالبيتهم، من منطقة الجليل في شمال فلسطين. وقد تجاوز عديده حاليا 40,000 شخص.

الحياة في هذا المخيّم ليست سهلة أبدا. فالظروف المعيشية السيئة واضحة للعيان. والأمور ازدادت سوءا في الأشهر الثمانية عشر الماضية.

منذ انطلقت شرارة الحرب في سوريا، لجأ الى مخيم برج البراجنة عددا كبيرا من غير الفلسطينيين، بينهم لبنانيون ضعفاء ولاجئون سوريون وغير سوريين. وتشير الأرقام الى أن أقل من نسبة 50 في المئة فقط من سكان هذا المخيم، وعددهم يزيد عن 40,000، هم من الفلسطينيين.

بعيدا عن جنسية قاطني برج البراجنة، تنسحب الأزمة على الجميع الذين يختبرون صعوبة الحصول على ما يكفي من غذاء ودواء وثياب في هذا المخيّم المزدحم باللاجئين.

"بيان" أتت مع عائلتها الى هذا المكان بعد أن شلّعت الحرب في سوريا الأمكنة والأسر وكل التفاصيل. وها هي تواجه اليوم التحدي الكبير المتمثل في الإستمرار في إدارة الإحتياجات الأساسية وتأمين ما كانت قادرة على تأمينه، قبل العام 2019، الى أطفالها الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وإثني عشر عاما. 

وتقول بيان: "أصبح الوضع هذه السنة أكثر سوءا بكثير. يفتقرُ أطفالي الى كل شيء، لا طعام، لا ملابس، ولا شيء أبدا!". فالدخل المحدود والدعم الذي يتلقونه من منظمات الإغاثة وجمعيات تبقى أقل مما يفي بالحاجة. وكم تتمنى بيان لو تنام وتستيقظ فتجد أن الكابوس الذي تعيشه قد انتهى.

الكابوس لم يمنعها أن تحلم وتتمنى. وتقول "أحلم أن يعيش أطفالي حياة طبيعية كما سائر الأطفال. أريد أن أراهم يحصلون على الإحتياجات أقله الأساسية. أريدهم أن يحصلوا على الطعام وعلى التعليم".

"يجلب إبني بقايا الطعام من منازل الجيران"

الأزقة كثيرة. والشوارع ضيقة جدا. تغطي سماء المخيّم أسلاكا كهربائية كثيرة، محدثة فوضى هائلة وخطرا كبيرا. ننتقل من زقاق الى آخر الى حين نصل الى منزل "بدرة"، وهي سورية، تعيش مع أطفالها التسعة، ساعية الى تأمين مستقبلهم. هي فرّت بداية من سوريا مع طفلها الأصغر، الذي أصبح له من العمر ستة أعوام. فعلت "بدرة" ذلك بعد أن أخذوا (تتحدث عنهم بصيغة المجهول) زوجها "لأن ابنتهما كانت ترتدي ثوبا أحمر اللون".

تعاني "بدرة" الأمرين. هي مصابة بورمٍ غير مشخّص بدقة بعد. ولا يتناول أفراد عائلتها ما يكفي من طعام. تقول "يجلب إبني بقايا الطعام من منازل الجيران وما يفيض عن أطفالي أتناوله". هي ترفض أن تأكل إلا بعد أن يشبع كل الآخرين.

تبدو شوارع برج البراجنة، بفضل المبادرات الإجتماعية، نظيفة، لكن الظروف الصحية والبيئية الاساسية تبقى محفوفة بالمخاطر، فالبيوت رطبة ومزدحمة والبنية التحتية جد رديئة مهترئة.

UNICEF Staff at Burj El-Barajneh
UNICEF2021/Lebanon

من جهتها، إنتقلت "جواهر"، وهي لبنانية، مع أطفالها الثلاثة  الى برج البراجنة بعد أن توفي زوجها. كانت تخطط لفتح متجر صغير يقيها من غدرِ الزمان ويُمكّنها من العيش مع أطفالها بكرامة متكلة على نفسها "غير أن الأزمة التي ضربت لبنان حطمت أحلامي". تقول جواهر.

اليوم، تعتمد جواهر وأطفالها على مساعدات المنظمات والجمعيات وتقول " لا أريد أن يتكرر مصيري مع بناتي. أريدهنّ أن يتابعنّ دروسهنّ ويعشنّ أفضل مما تعيش والدتهنّ".

ماذا عن عبير وأسرة عبير؟

يبدو في سلّم إهتمامات "عبير"، وهي أم فلسطينية لسبعة أطفال، الحصول على الأدوية وأجرة النقل. ومن على شرفتها المطلة تقول: "لم نعد قادرين على شراء المستلزمات الأساسية التي كنا نحصل عليها قبل عامين فقط". تغيّرت الأمور كثيرا في عامين وعبير وزوجها فقدا القدرة على تغطية نفقات أسرتهما. وتقول "طالما قام زوجي بأعمال مؤقتة لكنه، منذ ضربت الأزمة لبنان، أصبح ذلك صعبا. وما زاد أزمتنا، تعرضه الى وعكة صحية في الفترة الأخيرة. سعيتُ الى تعويض ذلك من خلال زراعة النباتات وصناعة الحلي من مواد معاد تدويرها، لكن، للأسف، مرّت اشهر لم أبع فيها شيئا".

حالة ُ الأسرة سيئة جدا فكيف يعيش أفرادها في هذا الوقت الصعب؟

يبدو أن الإبن الأكبر، البالغ من العمر عشرين عاما، هو من يقوم بإعالة والديه وأخوته وأخواته. والدة زوج عبير تقدم بدورها بعض المساعدة. وهي، أي عبير، تحاول تقليص مختلف النفقات قدر الإمكان من أجل ضمان أن تحصل أسرتها على بعض الطعام والدواء وتقول: "إمتنعت عن زيارة والدي من أجل توفير تكاليف النقل والإنتقال واستخدامها في جلب بعض الطعام والدواء".

نجول في مخيم برج البراجنة فنتأكد أن الحياة ليست سهلة أبدا في هذا المكان المزدحم بالبشر، الذي لا تزيد مساحته عن الكيلومتر المربع الواحد. اليونيسف تعمل على دعم أسر هذا المكان منذ عقود. وهي ساعدت أهالي برج البراجنة على التعامل مع جائحة كوفيد-19 من خلال تأمين مواد الوقاية والتنظيف والمطهرات، وإقامة جلسات التوعية والدعم لمراكز العزل وللأطفال الذين أكثر من تأثروا في شكل مباشر، او غير مباشر، خلال انتشار الفيروس.

يهدف برنامج يونيسف الفلسطيني في لبنان الى تنمية الطفولة المبكرة، والرعاية الصحية الأوليّة والحماية والمياه والصرف الصحي والنظافة وتعزيز حقوق الطفل والدعم النفسي والإجتماعي وتحسين الوصول الى الخدمات الأساسية والتعليم والتدريب التقني والمهني وبرمجة المهارات الحياتية والصحة النفسية. كلّ هذه البرامج هي محاور عمل اليونيسف في المخيمات الفلسطينية لدعم تنمية الشباب. وشركاء اليونيسف الذين يساعدون في مدّ الأطفال بهذه البرامج في هذا الزمن العصيب هم: جمعية البرامج النسائية (WPA)، جمعية الأخوّة، جمعية النجدة، مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية (ARCPA)، جمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، أنيرا، Welfare وجمعية أرض الإنسان TDH-I.

*جرى تغيير هوية بعض العائلات في هذه القصص بناء لطلبهم حماية خصوصيتهم.