استعادة النظام الصحي في اليمن: دور مشروع رأس المال البشري الطارئ في إحداث تغيير جذري
يبرز مشروع رأس المال البشري الطارئ كشاهد على ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون والقدرة على الصمود والالتزام التام بالصحة والسلامة
- متوفر بـ:
- English
- العربية
خلال تسع سنوات من الحرب، تعرض النظام الصحي في اليمن للتدهور. فطبقاً لمبادرة نظام مراقبة الموارد والخدمات الصحية (HeRAMS)، تعمل حالياً فقط 70% من المرافق الصحية بشكل كلي أو جزئي، ولم يتم صرف رواتب الكوادر الصحية بشكل منتظم في العديد من المحافظات منذ العام 2016. وهنا يبرز مشروع رأس المال البشري الطارئ كبارقة أمل.
مبادرة مشروع رأس المال البشري الطارئ
المشروع عبارة عن جهد تعاوني تموّله المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي وتنفذه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الصحة العالمية، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة والسكان. يتسم النهج الذي يتبناه مشروع رأس المال البشري بالشمول، حيث أن له دور محوري في توفير الخدمات الوقائية والتعزيزية والعلاجية للأمهات وحديثي الولادة، والأطفال، والتغذية للأطفال دون سن الخامسة، وكذلك النساء وأسرهن في المرافق الصحية ومن خلال العمل مع المجتمع والفرق المتنقلة.
تحقيق تقدم في مجال التغذية
يظهر تأثير برنامج التغذية في العدد الكبير للأطفال الذي تم الوصول إليهم: فمنذ أكتوبر 2021، تم فحص 4.5 مليون طفل للتأكد من إصابتهم بسوء التغذية الحاد، وتم علاج 270 ألف طفل، تماثل للشفاء 91٪ منهم، ويتلقى أكثر من مليون طفل المغذيات الدقيقة الأساسية.
محمد صالح، أحد المواطنين المحليين، يشاركنا ارتياحه قائلاً: "كانت ابنتي تعاني من سوء التغذية، وتم إعطاؤها الغذاء العلاجي والأدوية التي حسنت تغذيتها وجهازها المناعي".
نهج تعزيز النظام
على الرغم من أن المشروع كان يهدف في البداية إلى تنشيط النظام الصحي المنهار، فقد توسع لجعل النظام الصحي أكثر استدامة، بما في ذلك تعزيز نظام معلومات الإدارة الصحية (HMIS) من خلال نشر وتوسيع نطاق الوضع التشغيلي واستخدام منصة DHIS-2 في جميع أنحاء البلاد. ويساعد هذا التحول الإستراتيجي في بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل.
وقد لعبت اليونيسف من خلال مشروع رأس المال البشري الطارئ (EHCP) دوراً محورياً في إنشاء وإطلاق نظام المعلومات الصحية الوطني - بدءاً من تقديم المساعدة الفنية إلى إقامة دورات تدريبية لأكثر من 1,800 مسؤول بيانات وتوريد 900 جهاز حاسوب محمول. وقد مكّن هذا الجهد المتضافر من إعداد تقارير شهرية سلسة للبيانات الصحية من 4,500 منشأة للرعاية الصحية والتي تمتد في محافظات ومديريات مختلفة والذي بدوره أدى إلى تسهيل تدفق البيانات وتحسين جودتها وتقليل الأخطاء البشرية الناتجة عن المعالجة اليدوية، وبالتالي تسهيل عمل البرامج المبنية على الأدلة من أجل تحسين نتائج الصحة العامة للأطفال والنساء وأسرهم.
تنشيط المرافق الصحية على مستوى البلاد
لمشروع رأس المال البشري الطارئ دور فعّال في دعم حوالي من 2,400 مرفق صحي في 22 محافظة، بالإضافة إلى الحفاظ على التغطية المستمرة للرعاية الصحية الأساسية خلال ذروة جائحة كوفيد-19. ويشمل ذلك نشر العاملين في مجال الصحة وتدريبهم والاحتفاظ بهم، وتوفير الإمدادات الطبية، وتعزيز وظائف سلسلة التوريد، وتمويل التكاليف التشغيلية لتوسيع نطاق تغطية الخدمات الأساسية.
بالإضافة لذلك، قام المشروع بتعزيز وظيفة الإشراف الداعم المتكامل لمكاتب الصحة في المحافظات الأمر الذي يؤدي إلى تحسين تغطية وجودة حزمة الحد الأدنى من خدمات الرعاية الصحية الأولية.
البرامج والنتائج الأساسية الأخرى:
برنامج التحصين الموسع
تدعم اليونيسف من خلال مشروع رأس المال البشري الطارئ برنامج التحصين، والذي يستخدم النماذج الثابتة والإيصالية المتكاملة، وقد تمكن البرنامج من مكافحة أمراض مثل الحصبة والحصبة الألمانية من خلال توفير إمدادات دائمة من اللقاحات المنقذة للحياة، واستخدام إستراتيجيات توصيل مبتكرة للوصول إلى كل طفل رغم الصعوبات، تحديداً في المناطق الريفية ذات الموارد المحدودة.
أحدث فريق برنامج التحصين الموسع أيضاً تحولاً في البنية التحتية لـ "سلسلة التبريد" في اليمن في المناطق التي لا يمكن الاعتماد على شبكة الكهرباء فيها وذلك من خلال نشر الثلاجات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وبالتالي توصيل لقاحات فعالة لأطفال الفئات الأكثر تهميشاً في المناطق التييصعب الوصول إليها.
الشبكة الصحية المجتمعية
استجابة لقلة عدد مرافق الخدمات الصحية الأولية العاملة في المناطق الريفية، تم إنشاء شبكة عاملات الصحة المجتمعية لمواجهة التحديات الفريدة التي تواجهها الأمهات والأطفال. ولتمكين العاملات في مجال الصحة المجتمعية من الوصول إلى الأسر وتقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، تم تطوير استراتيجية شاملة. وفي إطار هذه المبادرة الأوسع، كان هناك تركيز خاص على تزويد القابلات بالتدريب والمعرفة والمهارات اللازمة لتوفير الرعاية الشاملة والدعم والتوعية للنساء الحوامل.
قابلات المجتمع
ومع تدريب أكثر من ١١٠٠ قابلة مجتمعية، قدم هذا البرنامج خدمات صحية واسعة النطاق للأمهات والأطفال حديثي الولادة، مما أتاح ولادة أكثر أماناً لأكثر من نصف ولادات الأطفال في اليمن.
قالت سمية، قابلة مجتمع في محافظة لحج: "قبل عدة سنوات، التقيت بأم ارتفع ضغط دمها إلى درجة أنها فقدت جنينها. وكانت المأساة أنها تُركت في المنزل دون أي مساعدة طبية. وبما أن شبكة عاملات الصحة المجتمعية كانت موجودة أثناء حملها الثالث، فقد تمكنت من إقناع أسرتها وزوجها بالذهاب معها إلى المستشفى، وخضعت الأم لعملية جراحية ناجحة."
العاملات الصحيات المجتمعيات
بتدريب أكثر من 3,600 عاملة صحة مجتمعية، يقدم هذا البرنامج خدمات صحة الطفل في الوقت المناسب لعلاج أمراض الأطفال الشائعة على مستوى المجتمع/الأسرة. وعبرت عائشة مراد، إحدى السكان المحليين، عن امتنانها قائلة: "عندما يمرض أحد في مجتمعنا، فإننا نذهب إلى المركز الصحي لتلقي العلاج لأننا لا نستطيع تحمل تكاليف الذهاب إلى المستشفى".
تؤكد ألفت سعيد، إحدى عاملات الصحة المجتمعية، على أهمية شبكة العاملات الصحيات: "المنطقة التي أعيش فيها نائية ومحرومة من الخدمات الصحية، وينتشر فيها الالتهاب الرئوي والحصبة وسوء التغذية والإسهال على نطاق واسع، فأصبح لزاماً عليّ أن أعمل لخدمة مجتمعي. كلما زرت الناس، أستطيع أن أرى أنه من خلال مبادراتنا التوعوية، أصبحوا هم أيضاً أكثر اطلاعاً على صحتهم، وصحة أطفالهم، وأهمية التحصين للوقاية من الأمراض. وهذا يجعلني سعيدة جداً."
الدعم الصحي النفسي
إدراكاً للأثر النفسي الذي أحدثه هذا الصراع، وصل برنامج الصحة النفسية التابع لليونيسف إلى أكثر من 53,000 شخص في عام 2023. ويقدم هذا البرنامج الإسعافات الأولية النفسية والأنشطة العلاجية للأطفال، ويدرب العاملين على تحديد وإحالة الحالات الأكثر خطورة.
يقول فيصل علي، أحد المستفيدين: "لقد جلبت المساحة الصديقة للأطفال الفرحة لابنتي. إنها تستمتع في المساحة، وتتعلم أشياء جديدة كل يوم."
المخرجات:
مع تقدم مشروع رأس المال البشري الطارئ، فإن أثره أضحى جلياً، ليس فقط من خلال القصص الفردية، ولكن أيضاً من خلال أرقام الإنجازات التي تقيس مدى نجاح هذا المشروع:
- لقد مكّن المشروع 3,000,000 شخص من الوصول إلى الحد الأدنى من حزمة الخدمات الصحية (58% إناث و42% ذكور).
- استفاد 2,400,000 طفل من العديد من الخدمات المستهدفة (51% فتيات و49% فتيان).
- حصلت 1,700,000 امرأة على خدمات الرعاية الصحية الأساسية، ووضعت 61% منهن بحضور قابلات مجتمعيات ماهرات.
- مع وجود 11,000 عامل في مجال الرعاية الصحية في الخدمة، ودعم 200 طبيب وتوزيعهم على مناطق مختلفة، عزّز مشروع رأس المال البشري الطارئ القوى العاملة الطبية في اليمن. 9% من مراكز الرعاية الصحية الأولية في المجتمعات الريفية لديها الآن طبيب داخلي واحد على الأقل يتواجد يومياً.
- تم توفير تكاليف تشغيلية لأكثر من 2,400 مرفق صحي، مما يضمن استمرار العمل وتقديم الخدمات.
- تحديث 50 منشأة صحية لتقديم الرعاية الأساسية الطارئة للتوليد وحديثي الولادة (BEmONC) مما يؤكد اهتمام المشروع بالرعاية الصحية الحرجة للأمهات والرضع.
- يدعم المشروع 3,600 من العاملين في مجال الصحة المجتمعية بالحوافز المالية اليومية والذين تم ربطهم بـ 1,200 منشأة للرعاية الصحية الأولية.
ومن خلال هذه التدخلات، لم يعالج المشروع الاحتياجات الصحية العاجلة فحسب، بل وضع أيضاً أسساً قوية للصحة والسلامة المستدامة.
وفي مشهد يشوبه الصراع والاحتياج، يبرز مشروع رأس المال البشري الطارئ كشاهد على ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون والقدرة على الصمود والالتزام التام بالصحة والسلامة. يعد هذا المشروع أكثر من مجرد استجابة لأزمة فورية، هو أيضاً بمثابة حجر الأساس في إعادة بناء نظام الرعاية الصحية في اليمن - مما يعد بمستقبل أكثر إشراقاً وصحة أفضل للملايين.