"كل ما تريده ابنتي هو أن تصبح لاجئة !"
رسالة من مخيم برج البراجنة في لبنان، الأزمة المنسيّة
- متوفر بـ:
- English
- العربية
برج البراجنة، 11 آب/أغسطس 2021 – لم يُلقوا علينا التحية أو حتى "صباح الخير"، توجهت مجموعة من الرجال الذين كانوا يشربون الشاي ويدخّنون عند مدخل مخيم برج البراجنة إلينا مباشرة وقالوا: "نريد الخروج من هنا، فلا يوجد أي شيء بتاتًا في هذا المكان، لا عمل ولا كهرباء. الجو حارّ جدًا لدرجة أننا لا نستطيع النوم في الليل، والماء ينفد. أخرجونا من هنا فقط".
في أزقة المخيم المتعرجة، تسيل قطرات المياه فتدخل أسلاك الكهرباء المتشابكة بشكل فوضوي خارج النوافذ الصغيرة. في كل عام، يلقى أطفال حتفهم عند لمسهم الأسلاك المبللة أو الدَوْس عليها. توفي أكثر من 67 شخصًا في السنوات السبع الماضية بسبب أسلاك الكهرباء هذه. كان من بينهم أطفال.
أنشئ مخيم برج البراجنة عام 1949 على بعد أربعة كيلومترات جنوب العاصمة بيروت لإيواء اللاجئين القادمين من الجليل. يأوي المخيم اليوم أكثر من 20 ألف نسمة. تقوم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بتقديم الخدمات في 12 مخيماً في لبنان حيث يعيش أكثر من 215 ألف شخص. تقدّر اليونيسف أن نصفهم من الأطفال، ويعيش ثلثاهم في فقر.

"كل ما أريده هو أن أستحم"
في غرفة صغيرة شحيحة الإنارة تعود لمنظمة غير حكومية تدعمها اليونيسف، التقينا بمجموعة من النساء خلال جلسة لمناقشة العنف المنزلي. كانت النساء الثماني خليطًا من الفلسطينيات والسوريات واللبنانيات اللواتي وُلد بعضهنّ في المخيم وفرّ بعضهنّ الآخر إليه من الحرب في سوريا، بينما تزوجت أخريات بلاجئين فلسطينيين. يحصل المخيم على الكهرباء لمدة تكاد لا تصل الساعتين إلى الثلاث ساعات يوميًا، كما هو الحال في باقي أنحاء البلد، ويعيش الناس هنا في غرف صغيرة مزدحمة، دون مراوح، وغالبًا دون مياه، في الوقت الذي وصلت درجة الحرارة فيه إلى 35 درجة مئوية.
حدّثتنا عبير بصوتها الهادئ عن تأثير هذه الظروف على ابنها الشاب قائلة: "يعاني ابني من نوبات الغضب وأصبح أكثر عنفًا. كان يصرخ قائلًا: 'سوف أقتل وأضرب المسؤول عن هذا الوضع. كل ما أريده هو الماء لكي أستحمّ'."
تنعكس المحنة التي يعيشها ابن عبير على جميع أرجاء لبنان، فالبلاد تمر بموجة من القَيظ وتعاني من نفاد الماء والوقود. وِفق تقدير اليونيسف، فإنّ 4 ملايين شخص معرَّضون لخطر انعدام المياه في غضون أربعة أسابيع بسبب توقف ضخ المياه تدريجياً في جميع أنحاء البلاد وذلك، بشكل أساسي، نتيجة نقص الوقود.
تقول سناء (امرأة أخرى في المجموعة) إنّ هذا أسوأ ما مرّت به في حياتها على الإطلاق. "كل ما نريده هو أن نغادر. كل ما نريده هو أن نعيش". شهد برج البراجنة بعضاً من أكثر أعمال العنف تدميراً في لبنان على مر السنين، بما في ذلك أثناء الحرب التي استمرت 15 عامًا وانتهت عام 1990. على الرغم من ذلك، تقول سناء إننا وصلنا الحضيض: "لم يحدث أبدًا أن وصلت الأمور إلى هذا السوء. أتمنى لو كنت قد ركبت قارب وغادرت". تمكن شقيق سناء من الفرار على متن أحد قوارب المهاجرين قبل عامين.

"كوفيد-19" وانفجار مرفأ بيروت
قبل جائحة "كوفيد-19" عملت النساء مثل عبير وسناء في الخياطة أو كمساعِدات في المنازل، ومنذ ذلك الحين فقدت معظم النساء فرص العمل، وأصبح الأزواج الذين كانوا يعملون بشكل رئيسي في البناء عاطلين عن العمل، وقد أصيب الكثير منهم بالمرض، بعضهم بأمراض مزمنة. لا تستطيع العائلات تحمل تكاليف العلاج الطبي أو الدواء بسبب الأسعار الباهظة أو لأنها بكل بساطة غير متوفرةـ. عادة ما كانت تُقدم الدولة الدعم للأدوية المستوردة، ولكن هذا النظام قد شُلِّ الآن تقريبًا. اضطرت معظم الصيدليات للإغلاق أو رفع أسعار الدواء بشكل كبير. ومع انخفاض قيمة العملة المحلية الآن إلى مستويات غير مسبوقة، أصبحت 75 في المائة من العائلات في لبنان تعاني من الهشاشة وبالكاد يمكنها تغطية نفقاتها اليومية، ناهيك عن عدم قدرتها على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، كالمُسكِّنات البسيطة.
بينما كنا نسير في المخيم، كانت المدينة على وشك إحياء ذكرى مرور عام على انفجار بيروت - أحد أكبر الانفجارات في التاريخ الحديث - الذي مزّق بلمحة بَصَر المناطق الشرقية من المدينة وحصد معه حياة أكثر من 200 شخص ودمر البيوت والمدارس والمستشفيات. مررنا بمستشفى حيفا، المركز الصحي الوحيد في المخيم، ورأينا الكتابة والرسوم التي كست الجدران، بينها رسم لفتاة صغيرة تقول: "سلامتك يا بيروت".

العزيمة المضمحلة
رغم كل الصعاب، وعلى الرغم من الفقر والحرمان، يواصل الشباب سعيهم. التقينا في مركز للشباب بحوالي 20 شاب وشابة جميعهم من اللاجئين الفلسطينيين. يحمل معظمهم شهادات جامعية ويتحلّون جميعًا بالذكاء والرصانة والتفاؤل بمستقبل أفضل. تحدث الكثيرون عن التحديات في المخيمات، بما فيها العنف المتزايد وكثرة الأسلحة غير المشروعة والكميات الهائلة من المخدرات. كما تحدث جميعهم تقريبًا عن خططه لمغادرة المخيمات ولبنان بشكل عام. كانوا مصممين وعمليين وشجعان.
يعقوب شابٌّ في أوائل العشرينات من عمره، حاصل على شهادة في الفيزياء وعاطل عن العمل. يتطوّع يعقوب لتشجيع الناس في المخيمات على تلقّي لقاح "كوفيد-19"، ذلك أن عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح في المخيم قليل جدًا، غالبًا بسبب التردد.
أما ريم، وهي طالبة في الاقتصاد وإدارة الأعمال، فقالت إنها حريصة على إنهاء دراستها والانتقال للعيش خارج لبنان. تحب ريم التدريس، لكنها لا تستطيع الحصول على وظيفة معلمة في مدرسة عامّة. هناك 39 مهنة لا يُسمح للاجئين الفلسطينيين في لبنان العمل فيها، ومن ضمنها الطب والقانون والهندسة والعديد من وظائف القطاع الخاص الأخرى. كما لا يمكن للفلسطينيين تملّك العقارات.
قُبيل نهاية الجلسة، تقدمت لطيفة بتردد. نزح والد زوجها من حرب عام 1967 إلى لبنان، دون أن يتم تسجيله، لذلك لم تكن لديه أوراق ثبوتية يمكنه نقلها إلى أطفاله. تزوجت لطيفة منذ ذلك الحين ورزقت بمولودتها هيا. وهيا غير مسجلة رسميًا، مثل والدها، وبناءً على ذلك، أصبحت هذه العائلة "بلا أوراق"، مثل أربعة آلاف فلسطيني آخر في البلد. تواجه هذه العائلات تحدّيات كبيرة للحصول على الخدمات الصحية أو التعليمية على الرغم من الجهود الهائلة التي تبذلها الأونروا. تقول لطيفة: "كل ما تريده ابنتي هو أن تصبح لاجئًة بشكل رسميّ!"

قبل مغادرتنا لمجموعة النساء سألْتُ عبير: "انتِ من وين؟" فأجابت دون تردد: "أنا من هون".... فسألتها ثانية: "وفي الأصل؟"، فأجابت: "آه! جاء جدّي إلى هنا من سعسع" (سعسع قرية صغيرة تقع بالقرب من مدينة صفد في الجليل).
بالرغم من ازدياد اليأس، ما زال الناس يتحلون بالعزيمة القوية والتصميم على تحقيق حياة أفضل. إلا أن هذه عزيمة ليست أمرًا مفروغاً منه، خاصةً وأنها تضمحل بسرعة.
تركتني هذه الزيارة – وهي الأولى لي إلى مخيم للاجئين في لبنان – حائرة أتساءل متى سيحصل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على الأساسيات المحضة؟ كيف استمر 73 عامًا؟ كم من الوقت يمكن للناس أن يتحملوا؟ والأهم من ذلك: لماذا؟ لماذا على الناس أن يستمروا في التحمل؟
--------------------------------------------------------------------------------
* جولييت توما هي المديرة الإقليمية للإعلام لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عادت مؤخرًا من رحلة إلى لبنان في ذكرى انفجار مرفأ بيروت وزيارة مشاريع وبرامج اليونيسف.
عن البرنامج الفلسطيني لليونيسف في لبنان
البرنامج الفلسطيني هو برنامج اليونيسف متعدد القطاعات تابع لليونيسف، يهدف إلى دعم حصول الأطفال اللاجئين الفلسطينيين على الحقوق وتحسين وصول الفتيان والفتيات والنساء الفلسطينيين في لبنان على الخدمات الأساسية. تنفّذ اليونيسف هذا البرنامج بالتعاون الوثيق مع وكالة الأونروا وشركاء آخرين. يقوم البرنامج أيضاً بتقديم المساعدات للأطفال والنساء اللبنانيين والسوريين الأكثر هشاشة الذين يعيشون مع اللاجئين الفلسطينيين. يغطي البرنامج القطاعات الأساسية لبرنامج اليونيسف في لبنان وهي: بقاء ونماء الطفل (بما في ذلك تنمية الشباب واليافعين) وحماية الطفل.
--------------------------------------------------------------------------------
لتحميل الوسائط المتعددة
لقراءة التقرير: إضغط هنا
لتحميل القصص والصور ومقاطع الفيديو: إضغط هنا
لمعرفة المزيد عن إستجابة اليونيسف: إضغط هنا
--------------------------------------------------------------------------------
تم نشر المدونة في المواقع أدناه:
القدس العربي
عربي 21
JBC الآخبارية