قصي، عمالة أطفال - ولكن ضمن من يعيش الأمل
قصي هو من بين مجموعة من الأطفال يتم دعمهم من خلال جلسات نفسية اجتماعية مركزة تقدمها اليونيسف وشركاؤها المحليون ؛ واحد من 4500 من الفتيان والفتيات الذين استفادوا في عام 2017.
- متوفر بـ:
- English
- العربية
لأن زراعة بذور القوة في نفوس الصغار أسهل من مداواة تحطم من يكبرون بنفوسٍ متحطمة، سارعت منظمات إنسانية، داعمة، الى عقدِ الحلقاتِ الإستثنائية، التعليمية والتثقيفية والرياضية، من أجل جعلِ آلاف الأطفال السوريين، ممن لفحهم لهيب الحرب في بلادهم الى الهجرة نحو البقاع اللبناني المجاور، يكبرون أصحاء
هناك، في قلب راشيا الوادي، عند حفافي قلعة الإستقلال، التي سُجن بين حجارتِها الصخرية أبطال الإستقلال اللبناني وفاح عبير الحرية عام 1943 رأيناه طفلا مثل البدرِ، بعينين واسعتين، بقامة نحيفة رشيقة، وبنظرةٍ فيها كثير من الأمل بمستقبلٍ آتٍ
إسمُه ُ قصيّ، عمره إثنا عشر عاما، وبات له في راشيا الفخار أكثر من ثلاثة أعوام وها هو، يسرقُ اللحظات ويتحيّن الفرص السانحة من أجل الإلتحاق ببرنامج الدعم الإجتماعي الذي تقدمه جمعية "إنترسوس" في مناطق لبنانية عدة بتمويلٍ من الصندوق الائتماني الأوروبي: مدد ودعم من منظمة اليونيسيف
جميلٌ ذاك الوميض الذي يلوح في عينيّ قصيّ وهو قادمٌ، من محال بيع الخضار التي يعمل فيها مدة تزيد عن إثنتي عشرة ساعة يوميا، للإلتحاق ببرنامج الدعم النفسي الاجتماعي
.الذي يُعزز ُ جملة مهارات فيه وفي صغارٍ يحتاجون الى كثير من الحب والعناية إذا أراد البشر، فعلا لا مجرد كلام، تعزيز السلام في هذا العالم
يُشكّل الصغار بأجسادِهم حلقة دائرية، محببة، وهم يجلسون القرفصاء ويشاركون في إحدى حلقات تعزيز المهارات. هنا يتعلم قصيّ مع صغارٍ، تقترب أعمارِهم من عمرِهِ، أصول التعامل مع الأصدقاء والأهل والأخوة والأخوات وكيف يحمون أنفسهم في الشارع من غدرٍ أو إعتداءٍ أو حتى من تعسفٍ في العمالة
:ينضمُ قصيّ الى رفاق جلسة تلقين المهارة ويسندُ ظهره الى عبارة مركزة على الحائط، ورائه، بالإنكليزية
For every child joy.هنا يتحقق، في جنبات هذا المكان، الشعار الذي ترفعه اليونيسيف هدفا وقاعدة ومسعى
أهدافُ البرنامج كثيرة، كما أهداف الصغار، ومن الأسئلة والأجوبة التي صدحت في الأرجاء فهمنا اللبّ والهدف. سألت المدربة: ما هو هدف الإنسان في هذه الحياة؟ فأجاب الأولاد بحماسة: هناك أهدافٌ قصيرة الأمد وأهدافُ بعيدة الأمد. أن ندرس اليوم لننجح هدفا قصيرا أما أن ندرس لنصبح أطباء فهذا هدف لن يتحقق بين ليلة وضحاها. وماذا يريد هؤلاء الصغار أن يُصبحوا حي ن يكبرون؟ تتتالى الإجابات: أطباء، مهندسون، مغنون، كتاب شعر، وحتى رواد فضاء
نقترب من قصيّ لنُصغي بدقة الى ما يريد أن يُصبح عليه حين يكبر فيُردد بحماسة من دون تردد: أريد أن أصبح رساما. لماذا الرسم؟ يجيب: أحبه. ثم أمسك ورقة بطلبٍ من المعلمة وراح يكتبُ عليها أول مهارة يصرّ على تعلمها فكتب: الرسم ثم اللعب ورياضة الكاراتيه. أما الركض فلا يحبه. لكثرة ما يركض ربما منذ أعوام، وهو بعد في نعومة أظفاره، وراء اللقمة وسبل الحياة والبقاء
حماسة الصغار لمشاركتهم في برنامج "إنترسوس" كبيرة. نراهم يتشاركون الهوايات واللعب والضحك والغناء والشعر. ثقة هؤلاء الصغار تكبر حين يشاركون ويتفاعلون في هكذا لقاءات. إحداهنّ ألقت الشعر بصوتٍ واضحٍ ولفظٍ سليمٍ جدا. والموضوع كان: الحربُ والموتُ والهجرة ُ والسعي الى البقاء. الأولاد يواسون بعضهم البعض ويرمون كثير من حملِهم الكبير حين يلتقون تحت جناح هذه القاعة
ضحكات قصيّ ترتفع حين يبدأ الصغار في غناء: كان في بيت وفي غزال، عميطّلع من الشباك، شاف الأرنب عمبنّط، صار يدق على الباب: غزال غزال إفتح لي (..) هي لحظات ٌ فهمنا فيها معنى ذاك الشعار الذي ترفعه اليونيسيف
For every child joy
تنتهي جلسة تعليم المهارات الحياتية. يدخل صغار الى قاعة مجاورة ليشاهدوا فيلما ويغادر آخرون الى أعمالهم. فيذهب قصيّ الى المحل المجاور ويبدأ في توضيب البصل واللوبياء والبندورة والبصل. يساعد في تعبئة ما يُريد الزبائن. يحمل الأغراض الى السيارات. ويعود ويتكئ على رؤوس البطيخ التي ترتفع في جوار الدكان. هناك يستريح الصبي مستذكرا ما تلقى اليوم من مهارات وتوصيات وبينها: حافظ على نفسِك، وعلى جسدِك، إنتبه من أي تعدّ قد يطالك، واعرف حقوقك وطالب بها. بات الصغير يعرف أن له حقوق مثلما عليه واجبات. ومن حقوقه البديهية أن يُطالب، بأدبٍ، بعدمِ حملِ ما هو أكثر وزنا منه، وأن يمنع أحد، أي أحد، بمساسِ جسدِهِ، وبأن يدرس ويلعب ويضحك ويكبر بسلامٍ سليما معافى من المشاكل الصحية والإجتماعية والنفسية
قصيّ يحلم، يطمح، يشارك ويتمنى. وهو، في كلِ هذا، طفلٌ كبُرَ قبل أوانه، في ظروفٍ يغلبُ فيها الحزن، لكنه، على الرغمِ من سنين عمره القليلة، بات واثقا جدا أن لا مستحيل تحت الشمس
من أهم المهارات التي اكتسبها هي أن قصي تعلم كيف يكون طفلاً مرة أخرى.