قصة دانيا - بناء القدرات في إطار واسع وشمولي

تتشارك اليونيسيف في لبنان مع حكومة كندا من أجل تعزيز شمولية التعليم للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة

سايمون بالسوم
 10-year-old Dania Al Fares Smiling
UNICEF 2018/Lebanon
22 كانون الثاني / يناير 2019

بابتسامةٍ ملائكية رائعة ووجهٍ مشعّ، تقتحمُ دانيا الفارس، إبنة ُالعشر سنوات، القلوب، وتطلّ مفعمة بحماسةٍ إستثنائية ّ في أحد الفصول الدراسية في مركز برج حمود التابع الى مركز الحركة الإجتماعية. هي تتمتعُ بالحيوية والدينامية وأصدقاؤها كثرا وقصتُها تختلف عن قصصِ الكثيرين من حولِها.

دانيا هي طفلة سورية ولدت مع كروموسوم إضافي، جعلها من أطفالِ متلازمة داون. وهي لجأت الى لبنان مع عائلتِها ووالدها المسنّ خالد بعد أن اشتدّت المعارك في ديارِها وشلعت القذائف المنزل الذي تسكنه مع أهلها. وكان والدها يسعى بقوة، بما يُقدّر له، من أجل مساعدتها على تلقي التعليم المنزلي وتعزيز حصولِها على التحفيز المستمر، ولو البسيط، المتوافر في سوريا ويقول والدها: "كنت واثقا أنها ستكبرُ محرومة إذا لم تندمج في برنامج تعليمي صحيح".

تطويرُ قدرات دانيا وضمانُ وجودها في مركزٍ ملائم تحققا بفضلِ التزام يونيسيف في لبنان، بتمويل من حكومة كندا، ضمان أن ينضوي ما لا يقل عن 2 في المئة من الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة في عداد الأطفال المدعومين في برامج التعليم. وبفضل هذا الدعم من الحكومة الكندية نجحت يونيسيف في تزويد المنظمات غير الحكومية بقدرات البناء والموارد البشرية والخدمات الإضافية المتنوعة للأطفال.

بعد ستة أشهر من الإنضواء في برنامج الدعم الذي يقدمه مركز "الحركة الإجتماعية"، بدأ خالد، والد دانيا، يشهد ثمار التقدم الهائل الذي تحققه طفلته ويقول والإبتسامة تعلو وجهه: "تعلمت إبنتي الأرقام وكتابة إسمها ومعرفة الأشياء والأهم ربما من كل هذا تحسنت ثقتها بنفسها". ويتذكر: "قبل عام أتيتُ بها الى هنا لكنها لم تنجح في التأقلم مع محيطها، حتى ضجيج زملائها كان أكثر من قدرتِها على الإحتمال، لهذا أبعدتها عن المكان ويومها أصيبت بحزن وأسى كبيريّن. لكن ها نحن اليوم نراها، بعد الدعم الإجتماعي، فتاة مختلفة لديها أصدقاء وتتطور. وأصدقاؤها حريصون على التعامل معها برقيٍّ وبعاطفةٍ كبيرة". وفي هذا الإطار يُعلق زميل لها: "نتناوبُ جميعنا من أجل مساعدتها حين تحتاج وهذا يُشعرُنا بالرضى عن أنفسنا".

أكثر ما تستصعبهُ دانيا هو التواصل اللفظي مع زملائها لكن هذا لا يقفُ أمام إصرارِها على تكوين صداقات والتعلّم من خلال اللعب في المدرسة. زميلٌ آخر لها علّق: "هي تنضمُ الى كل نشاطاتنا وتشاركنا اللعب ونستمتع دائما معها. هي ليست مختلفة بالنسبة إلينا في مجالات كثيرة".

والد دانيا ينظرُ إليها وهي تشاركُ زملائها في اللعبِ والنشاطات المختلفة معلقا: "زملاءُ ابنتي ساهموا في تسهيل إندماجها في التعليم أكثر بكثير مما توقعته". يضيف: "هذه هي المرّة الأولى التي يواجهون فيها طفلا مصابا بمتلازمة داون. وهم لم يكونوا في البداية متأكدين من أسلوب التعامل الصحيح مع دانيا لكنهم سرعان ما نجحوا في فهمها وإشراكها في كل نشاطاتهم".

"كانت دانيا في البداية منطوية على نفسها، خجولة جدا، ولم تكن تتحدث مع أي شخص، ولم تكن تجرؤ حتى على النظر في عينيّ أحد. تعاملنا معها بعناية شديدة وببطئ شديد. وأنا جدّ مقتنعة أن تضمين جميع تلاميذي أمرّ في غاية الأهمية والحيوية خصوصا إذا كانوا أطفالا مثل دانيا. وجودُها في المدرسة ومشاركتها بقية التلاميذ في كلِ شيء أمر مهم جدا تستفيد منه هي ويستفيد منه سائر التلاميذ الذين تعلموا أن يروا في دانيا زميلة لهم. وأصبحوا يقدّرون الذبذبات الإيجابية التي تبثها بينهم، في الصفوف الدراسية، وما عادوا يحكمون عليها وعلى من هم أمثالها لمجرد عدم قدرتهم على القيام ببعض الأمور"

Little girl working diligently
Fouad Choufany

التأثير الأبرز على دانيا كان بحسب والدها: "معلمتها هبة". ويشرح: "هي تقضي معها وقتا طويلا، وتواكبُها حتى في فصول دراسية ليست مخصصة لها، من دون أن يمانع أحد هذا". وتلاقي دانيا كل الترحيب في كل مكان تذهب إليه وفي هذا الإطار تعلق معلمتها هبة: "كانت دانيا في البداية منطوية على نفسها، خجولة جدا، ولم تكن تتحدث مع أي شخص، ولم تكن تجرؤ حتى على النظر في عينيّ أحد. تعاملنا معها بعناية شديدة وببطئ شديد. وأنا جدّ مقتنعة أن تضمين جميع تلاميذي أمرّ في غاية الأهمية والحيوية خصوصا إذا كانوا أطفالا مثل دانيا. وجودُها في المدرسة ومشاركتها بقية التلاميذ في كلِ شيء أمر مهم جدا تستفيد منه هي ويستفيد منه سائر التلاميذ الذين تعلموا أن يروا في دانيا زميلة لهم. وأصبحوا يقدّرون الذبذبات الإيجابية التي تبثها بينهم، في الصفوف الدراسية، وما عادوا يحكمون عليها وعلى من هم أمثالها لمجرد عدم قدرتهم على القيام ببعض الأمور".

تُحبّ دانيا لعب دور طبيبة. هذه لعبتها المفضلة. وهي تُخبّر أنها ستصبح طبيبة ذات يوم. ووالدُها يهزُّ رأسه وهو يسمعها معلقا: "متأكدٌ أنها ستساعد الأشخاص ذات يوم بفضل تجاربِها في التعليم". ويستطرد: "لستُ قلقا إلا من أمرٍ واحد هو أن أغادر هذه الدنيا ولا أعود موجودا الى جانبها لأعتني بها. أصلي دائما أن تكون قد أصبحت، حين يحين موعد رحيلي، قادرة على الوثوق أكثر بنفسِها ومحيطها. وأعتبر أن وجود دانيا اليوم في الحركة الإجتماعية خطوة أساسية في الإتجاه الصحيح".

التعليم الشامل هو الطريق الى التعليم الأساسي النظامي. وهذا ليس شعارا بل مسار لأنه من خلاله يمكن تضمين أطفال مثل دانيا في الفصول الدراسية العادية بعد تدريب المعلمين وموظفي المدرسة وتقديم كل الدعم إليهم. ولا يقتصر التعليم الشامل على الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة وحدهم بل يستفيد منه أيضا كل الأطفال الآخرين من خلال طرق التعليم المتنوع. ويساعد التعليم الشامل، الجامع، الأطفال كي يكونوا أكثر انفتاحا ويحترموا حين يكبرون التنوع في مجتمعاتهم في شكل عام. ومن شأن كل هذا المساعدة على الحدّ من العنف والتمييز وجعل الأطفال يكبرون وهم أكثر لطفا وتسامحا ورعاية.

UNICEF