في لبنان، حالة طوارئ داخل حالة طوارئ
بالنسبة الى اللاجئين السوريين في مختلف أتحاء لبنان، أدى نقص مياه الشرب النظيفةوزيادة إنعدام الأمن الغذائي الى جعل الأطفال، خصوصا الرضّع منهم، عرضة للأمراض التي تنقلها المياه وسوء التغذية.

- English
- العربية
في مخيّم نائي في شمال لبنان، على بعد بضع كيلومترات من الحدود السورية، يملأ صراخ الأطفال الأجواء. وصلنا للتوّ مع فريق صغير من يونيسف إيرلندا، ولاحظنا على الفور مشهدا غير متوقع ومقلق: طفلان ضعيفان، يعانيان في شكل واضح للعيان من سوء التغذية.
يُحدّق الطفل إسماعيل (8 أشهر) بعينيه باهتتين. هو يعاني بحسب ما قالت والدته من الإسهال والقيء المزمنين. يقترب رجل من إبنته الصغيرة عائشة، ذات عظام الصدر البارزتين، وهو يتحدث عن فقدانها شهيتها.
يقول دونشا أوكالاهان، سفير يونيسف في إيرلندا ونجم لعبة الركبي في بلاده وهو محاط بأطفال المخيم: ما صدمني هو رؤية هؤلاء الأطفال الصغار- في نفس عمر إبنتي- مع معصمين نحيلين صغيرين وعظام هشة للغاية. نتساءل ماذا يمكننا أن نفعل في حال كان هؤلاء الأطفال أولادنا؟ كنا سنفعل أيّ شيء في مقدورنا. هؤلاء الأطفال بحاجة ماسة الى مساعدتنا".
المياه هي الأولوية
يُخبرنا اللاجئون هنا أن حاجتهم الأساسية هي المياه.
مقارنة مع نفس الوقت من العام الماضي، إرتفع الطلب على المياه في شكلٍ كبير. في يونيو الماضي، تمّ تسجيل 22,530 سوريا وهناك كثيرون ما زالوا ينتظرون التسجيل كلاجئين. اليوم، إرتفع العدد الى أكثر من 572 ألف شخص.
يقول مصطفى: "يمثل الإسهال مشكلة كبيرة هنا، حيث يعاني مزيد ومزيد من الأطفال والبالغين من المرض. المياه ملوثة، لكن لا خيار لدينا، فنحن بحاجة لشرب المياه". مصطفى هو المسؤول عن المخيم وكان يملك شركة للنقل في سوريا.
مصطفى فقد القدرة على الحلم ويقول: "لم أعد أهتم بمستقبلي لكنني أهتم بمستقبل هؤلاء الأطفال".
عندما سألت الأطفال عن مصدر مياه الشرب أشارت طفلة الى قناة مياه قاتمة. ثمة قمامة في المياه. والصرف الصحي المفتوح، في مكانٍ محاذي، يُشكّل مخاطر تلوث عالية. البئر غير محمي من المياه الراكدة.
طلال طبيخ، المتخصص في مجال المياه والصرف الصحي، يقول: "مع إرتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، نحتاج الى التخفيف من إحتمال تفشي الأمراض المنتقلة عبر المياه من خلال إتاحة الوصول الى مياه الشرب المأمونة. هذا امر ملحّ، خصوصا في المواقع التي تضمّ خيما متناثرة في أنحاء كثيرة، والتي لا يتلائم فيها إستخدام المياه والصرف الصحي مع معايير السلامة".
العيش في جوار البطاطا
واحدة من اللاجئين الذين التقينا بهم تدعى أمينة. دعتنا الى خيمتها، حيث تعيش مع أطفالها الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين 12 سنة و18 سنة. مات زوجها ودُمّر منزلها في سوريا. تقول أمينة أنها لا تستطيع تحمّل تكلفة غاز الطهي، لذلك تقوم مع أطفالها في جمع الحطب وإشعاله. وبسبب عدم إقتناء العائلة المال، تعمل أمينة وأطفالها على جلب البطاطا من الحقل وراء المخيّم. وهي أرسلت إبنها البالغ من العمر 17 عاما للعثور على عمل لكنه لم يجده. يأس أمينة واضح. نراها تنهار وتتنهد وتغطي وجهها بيديها في حين يصمت أطفالها. إبنتها البالغة من العمر 12 عاما تحاول أن تبتسم لكن بعينين تملؤهما الدموع.
إستجابة إنقاذ الحياة
بعد هذه المهمة، تنظم يونيسف وشركاؤها- وزارة الصحة العامة والمنظمات المحلية غير الحكومية والمنظمة الدولية غير الحكومية "منظمة الأولوية الملحة للمساعدة الطبيّة الدولية"- إستجابة فورية؟
تمّ إرسال عيادة متنقلة الى المخيّم في اليوم التالي، وجرى توفير مستلزمات المياه النقية: أقراص الكلور، فلاتر المياه وخزانات المياه. وتمّ إعادة تأهيل البئر الملوثة. وحُفرت حفرة للمياه المبتذلة ومراحيض الطوارئ.

بهدفِ معالجة سوء تغذية الأطفال، تلقت يونيسف أغذية علاجية وتكميلية لسوء التغذية الحاد والمعتدل. واستُهلّ تدريب الموظفين الفنيين والمساعدين الطبيين، وسيتمّ إنشاء سبعة مراكز لإدارة سوء التغذية من خلال وزارة الصحة العامة وشبكتها.
إثر نقلهما الى المستشفى لتلقي العلاج الفوري، إستعاد إسماعيل وعائشة الإستقرار الصحيّ ويتعافيان وإن ببطئ. وفرصة بقائهما على قيد الحياة زادت بعد أن تلقيا المعاملة الواجبة في الوقت المناسب. وسيتم إجراء تقييم غذائي في منتصف يوليو.
التحدي هائل، فاللاجئون السوريون ينتشرون في أكثر من 1400 قرية في لبنان. ومن أجل إيقاف هذه الحالة الطارئة الصامتة ضمن حالات الطوارئ، سيحتاج الأمر الى مساعدة خلاقة وتدخل حقيقي لإنقاذ الحياة.
