شباب وشابات في لبنان يحصلون على فرص دخل أكثر إستقرارا بعد تعلم صناعة الخبز من خلال مشروع اليونيسف
على إمتداد مساحة لبنان، وفي وقت لم تعدّ فيه أولوية في البلاد أكثر من تأمين الخبز، يمكن مشروع اليونيسف الشباب، بمن فيهم الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة، تعلم فن صناعة الخبز، لتوفير مهارات جديدة تخولهم إنشاء أعمال تجارية خاصة أو العمل في مخابز

- متوفر بـ:
- English
- العربية
بحركة تلقائية، تمسك آمنه كرة العجين، تمدها بأطراف أصابعها، تشدّها أكثر براحتي يديها، كي تتأكد أن سطحها بات منبسطا تماما.
منذ فترة طويلة، تدير آمنه، البالغة من العمر 23 عاما، أعمال صناعة الحلويات العربية من منزلها، لتوفير الدعم الذي يحتاج إليه طفلاها الصغيران وزوجها. لكن، مع اشتداد الأزمة الإقتصادية في لبنان، التي تسبّبت بفقر نحو 80 في المئة من السكان، بدأ كثيرون ينظرون الى قطاع الحلويات كرفاهية.
خفّضت الأزمة الإقتصادية من مبيعات الحلويات في لبنان، وأثّر ذلك على مدخول عائلة آمنه، ودفعها الى الإنضمام الى برنامج اليونيسف، المدعوم من منظمة AVSI، الذي يدرّب الشباب والشابات على صناعة الخبز، ويدعم صناعة المخابز وتوزيع ربطات الخبز الى الأسر الضعيفة.
أصبحت آمنه ملمة حاليا بصناعة الخبز العربي وخبز الصاج والتنور، وقررت أن تفتح مخبزا صغيرا في منزلها، تستطيع من خلاله تحقيق مصدر دخل إضافي.
"بعدما أرخت الأزمة بثقلها على البشر في البلاد، بات الناس يطلبون، في أحيان كثيرة، الخبز والمنقوشة وليس الحلويات. الأزمة الإقتصادية الشديدة أدّت الى تراجع هائل في طلب الحلويات". تخبّر آمنه ذلك وهي جالسة قرب الفرن الخشبي، تُحضّر العجينة بشكلٍ دائري إستعدادا لإدخالها إليه".
آمنه سورية الأصل، من حمص بالتحديد، أتت الى لبنان طفلة مع عائلتها هربا من الحرب، وتعيش حاليا في قرية الجديدة، في محافظة عكار في شمال لبنان.
تقول آمنه: "كل شيء في لبنان أصبح باهظ الثمن، ما دفعني الى القيام بأكثر من عمل" وتستطرد: "زوجي يعمل في الزراعة لكنه بالكاد يجني 50 ألف ليرة لبنانية يوميا". هذا يعني أن زوجها يتقاضى اقل من دولارين في اليوم الواحد.

جاد، المنسّق الميداني في منظمة AVSI في عكار وشمال لبنان يقول "يعمل أهالي عكار، لا سيما الغالبية الكبرى من السوريين في القضاء، في قطاعي البناء والزراعة، وقد ساعدهم هذا البرنامج كثيرا لينخرطوا في أعمال أخرى ويكتسبوا مهارات جديدة".
كجزءٍ من مشروع اليونيسف، يعمل حالياً في مختلف أنحاء لبنان 315 شابا وشابة من اللبنانيين والسوريين، في 45 مخبزا، ويدير عشرة أشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة أحد المخابز.
من خلال البرنامج، تمّ إنتاج 192,000 ربطة خبز إضافية- مع توفير الطحين والمكونات اللازمة لذلك- وجرى توزيع 80 في المئة منها على الأسر الضعيفة التي إستلمت كل واحدة ربطتي خبز أسبوعيا، وتمّ بيع النسبة الباقية، اي 20 في المئة من الإنتاج، في المخابز بأسعار في متناول الجميع.
في هذا الإطار يقول جاد: "تم التركيز أيضا على توفيرالمواد الأوليّة للمخابز، خصوصا مادة الطحين، بسبب النقص الذي تشهده البلاد من تلك المادة".
في المحصلة، تدعم اليونيسف- من خلال برنامج تنمية الشباب والمراهقين- أكثر من 50,000 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما.
وتمّ تزويد أكثر من 10,800 شخص من هؤلاء الشباب بمهارات خاصة عديدة، بينها التوجيه الوظيفي والمهارات الحياتية والتدريب المهني ومحو الأميّة وعلم الحساب والتعامل مع الأرقام.
كما استفاد 4,221 شابا وشابة، طوال ثلاثة أشهر على الأقل، من خدمات دعم التوظيف، وقد حصل بالفعل 107 أشخاص منهم على فرص عمل/ أو فرص تحقيق الدخل.
بعد مشاركة آمنه في البرنامج وتلقيها التدريب، تعاونت مع مخبز أمينة الصغير الكائن في قرية الجديدة، وقد استخدمت في ذلك كل المهارات التي تعلمتها، وتمكنت من تحقيق دخل إضافي من خلال برنامج النقد مقابل العمل التابع لليونسف لسداد الديون التي على عاتقها كلفة إيجار المخبز.

“أحبّ العمل في صناعة الخبز، أشعر أن ذلك في غاية الأهميّة، خصوصا في هذه الأيام التي بات يحيا فيها الناس، بشكلٍ أساسي، على الخبز”
من جهتها، تخطط زينب، البالغة من العمر 20 عاما، لاستثمار ما جنته من عملها في المخابز لشراء الأدوات اللازمة التي تخولها فتح مشروع خاص لصناعة الخبز في منزلها.
تقول زينب "أحبّ العمل في صناعة الخبز، أشعر أن ذلك في غاية الأهميّة، خصوصا في هذه الأيام التي بات يحيا فيها الناس، بشكلٍ أساسي، على الخبز... أتوقع أن يكون التدريب الذي خضعت له مفيدا جدا" أضافت "أخطط الآن للعمل من منزلي، ويمكن أن يأتي الناس بمكونات ما يريدون وأنا أصنعها لهم باحترافية، لكني أعتقد أنه إذا وجدتُ عملا في مخبز فهذا سيكون أفضل بكثير بالنسبة لي. لذلك أحاول تقديم طلبات عمل في هذا الإطار".
شملت التدريبات على صناعة الخبز أيضا مقهى في العاصمة بيروت يدعى Agonista، يستخدم عادة عمالا من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون. يقول مالك ومؤسس المقهى "أن جميع الأشخاص الذين يعملون حاليا في المخبز إكتشفوا في أعماقهم شغفا بصناعة الخبز واكتسبوا مهارة إضافية الى جانب عملهم في المقهى".
ليس هذا كل شيء "فقد أتاح هذا المخبز الفرصة لتوظيف المزيد من الأشخاص، بينهم ثلاثة من ذوي الإحتياجات الخاصة" على ما قال وسيم.
جورج، البالغ من العمر 27 عاما، يعمل في Agonista منذ أربعة أعوام، وهو تعلّم أخيرا صناعة أنواع الخبز، ويفضّل منه الصاج لأن الطلب عليه كثير. ويعبّر عن سعادته خلال عملية العجن ويقول "أستمتع حقا بهذه العملية، وبمدّ الخبز بيديّ، وهذا ما يمنحني السعادة".
“صبح بإمكاني الآن أن أدعم أقله نفسي، بعدما وجدت عملا مستقرا ثابتا، وهذه هي المرّة الأولى التي أكتسب فيها مهارة في شيء ما”

في مخبزٍ آخر في بلدة منيارة، في عكار، وجد الشاب عامر وظيفة، بعد مشاركته في البرنامج وخضوعه الى التدريب اللازم، وهذا ما منحه الشعور بالرضا.
يقول "أصبح بإمكاني الآن أن أدعم أقله نفسي، بعدما وجدت عملا مستقرا ثابتا، وهذه هي المرّة الأولى التي أكتسب فيها مهارة في شيء ما".
يبلغ عامر 25 عاما، وكان يوم فرّ من أحداث سوريا بعمر 11 عاما، وقد سعى كثيرا من أجل إعالة نفسه، من خلال القيام باعمال متفرقة، غير منتظمة، في محال السوبرماركت وعبر أعمال ومهمات أخرى متنوعة.

في الحقول الزراعية. ويقول "كان عملي في الخارج، تحت أشعة الشمس القوية، متعبا للغاية، أما هنا، في المخبز، فقد اصبحت ظروف العمل أفضل".
يبلغ محمد حاليا 18 عاما فقط وهو سوري الجنسيّة، وبأمسّ الحاجة الى إعالة أسرته المكونة من والدين مريضين وأربعة أولاد.
أحلام محمد كثيرة يعلن عنها بابتسامة "أريد أن أفتح مخبزا خاصا بي، سيكون في البداية متواضعا، صغيرا، لكن بعد أن أبدأ في جني المال سأبدأ في توسيع مجال عملي وتوقعاتي".