اليونيسف تمد يد العون
في ظلِّ إنسداد الأفق بسبب الأزمات المتلاحقة، وغير المسبوقة، في لبنان، تُشكّل المنحة النقدية التي تقدمها اليونيسف شعاع نور للأطفال الذين يندرجون في خانة الفئات الأكثر ضعفا، ممن يجدون صعوبة فائقة في تأمين نفقاتهم

- متوفر بـ:
- English
- العربية
برج حمود- مثلها مثل أشخاص كثيرين آخرين في لبنان، تكافح ملاك، البالغة من العمر 57 عاما- وهي أم لستة أطفال- لتوفير الطعام الى أفراد أسرتها ليبقوا بصحة وعافية، موقنة أنه لولا دعم منحة اليونيسف "حدي" لكانت الأمور أسوأ بكثير، مؤكدة أن تلك المنحة شكّلت ما يُشبه شريان حياة لهم.
في العام 2021، أطلقت اليونيسف "حدي"- أو الى جانبي باللغة العربية - وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية، لمساعدة الأسر الأكثر ضعفا على تغطية تكاليف تربية أطفالها في ذروة أزمات متعددة، ذات أبعاد غير مسبوقة، تجتاح لبنان.
تعرّض لبنان طوال العامين الماضيين الى أزمات متلاحقة ومتشعبة، أدّت الى إنهيار إقتصادي قياسي، تزامن مع جائحة كوفيد-19، وتخلل ذلك تفجيرات ضخمة حدثت في بيروت، ما تسبب بإغراق الغالبية العظمى من السكان في العوز الشديد. وأرخت كل تلك الأزمات العديدة بثقلها على فئتي الشباب والاطفال .
"لولا برنامج "حدي" لكنا الآن في الشارع"
تقول ملاك وهي تذرف الدموع الغزيرة: "عملتُ طوال حياتي جاهدة، حتى خلال الحرب في لبنان، لتربية أطفالي، لكن، للأسف، بدون جدوى" وتشرح: "فقد زوجي عمله، واضطررتُ الى بيع كل ما أملكه، حتى مجوهراتي البسيطة وخاتم زواجي، لتوفير بعض ما يحتاج إليه أفراد أسرتي". إضطرت ملاك أيضا الى إرسال طفلها الأصغر، البالغ من العمر خمسة أعوام، للعيش في مؤسسات خاصة، لضمان حصوله على ما يحتاج من غذاء. أما اطفالها الخمسة الآخرون، وتتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، فيعيشون في كنفها.
تعتبر الوالدة ملاك أن "اللحوم والدواجن والأسماك أصبحت رفاهية لا قدرة لنا على تحمل كلفتها " ، مؤكدة عدم قدرتها حتى على شراء ما تحتاج إليه هي وبناتها الثلاث من مستلزمات الدورة الشهرية و تضيف: "أحتفظ أحيانا بنفس الفوطة الصحية وقتا طويلا لتتمكن بناتي من إستخدام فوط صحيّة كافية".
ليس هذا كل شيء، فقد كادت ملاك وأفراد أسرتها يصبحون بلا منزل يأويهم لو لم يتم ، ادراج اولادها في برنامج "حدي" في الوقت المناسب. و تشدد ملاك على أن: "لولا برنامج "حدي" لكنا الآن في الشارع".

من جهة أخرى، إرتفعت أسعار السلع الإستهلاكية الى مستويات لم تشهدها من قبل- شكّل التضخم نسبة غير مسبوقة، بلغت 240 في المئة على مدى عام، وصولا حتى كانون الثاني/ يناير 2022- فبات ، أشخاص كثيرون في لبنان يجدون أنفسهم اليوم مجبرين على اللجوء الى آليات التكيف السلبية لمواجهة الاوضاع الصعبة، بما في ذلك خفض نفقات الغذاء والصحة وتعليم الأطفال وصولا الى إرسال أطفالهم للعمل من أجل زيادة دخل الأسرة.
ٳن الأطفال، في مختلف أنحاء لبنان، هم الفئة الأكثر تضررا بما شهده لبنان ولا يزال. فصحّة الأطفال في خطر ومستقبلهم على المحك. في هذا الإطار، تقول ملاك: "أشعر أن أولادي يعانون من الإكتئاب و يتحملون أكثر من قدرتهم بكثير".
لم تنس ملاك لحظة تفجيرات بيروت التي هزّت المدينة في الرابع من آب/ أغسطس 2020، وتسببت بدمار واسع النطاق، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة ما يزيد عن 6500 شخص، بينهم 1000 طفل. وتتذكر أنها كانت في طريقها، برفقة زوجها، ٳلى منزل شقيقتها حين دوى الإنفجار وتشرح: "ركضتُ بحثا عن إبنتي التي دفعها عصف الإنفجار نحو الحائط". على الرغم من مرور وقت طويل على تلك اللحظات، لا تزال ملاك ترتجف وهي تستذكرها وتقول "أتذكر تلك اللحظات المصيرية يوميا. فمنذ ذلك الحين وأنا أتناول الكثير من الأدوية ".

أصابت الأزمة في لبنان جميع العائلات، بطريقة أو بأخرى، وهي بالنسبة الى الأطفال الأكثر ضعفا وعائلاتهم، أشبه بقضيّة حياة أو موت. إنهم ينظرون الى "حدي" بكثير من الحماسة والأهمية. يقدّم البرنامج منحا نقدية شهرية بالدولار الأميركي، بالإضافة الى خدمات أخرى عند الحاجة. ويتمّ تقديم الأموال مباشرة الى العائلات عبر حوالات مالية.
تعتبر منح الطفل "حدي" من أكثر المبادرات فعالية لتحسين رفاه الطفل، وتقليل التفاوت وعدم المساواة، والإستثمار في البلد ككل.
تستفيد من برنامج "حدي" 85 ألف أسرة لبنانية وغير لبنانية، وهناك 130 ألف شخص، من فئة الأشخاص الأكثر ضعفا، مسجلين في البرنامج. جميع الأطفال الذين يتلقون خدمات ذات أولوية من خلال اليونيسف جرى ادراجهم في برنامج "حدي" لتلقي منحة نقدية- أي الأطفال الذي يواجهون خطر العمالة المبكرة أو زواج الأطفال، والأطفال من ذوي الحاجات الخاصة، ومن هم خارج التعليم الرسمي، والأطفال الذين يحتاجون الى الدعم الغذائي. وتقدر قيمتها بمبلغ 40 دولارا عن طفل واحد في برنامج اليونيسف، ومبلغ 60 دولارا عن طفلين، و80 دولارا عن ثلاثة أطفال أو أكثر..
تقول ملاك أنها حين عرفت أن عائلتها باتت مشمولة في البرنامج رددت بصوتٍ عال: "الحمد لله ". حاليا، تتلقى عائلة ملاك 80 دولارا شهريا، تأخذها من مكتب حوالات مالية قريب من منزلها و تضيف: "ليتكم ترون وجهي في كلِ مرة أتلقى فيها الرسالة الهاتفية التي تبلغني بأن حوالتي قد وصلت، وكأنني فزتُ بورقة يانصيب".
*تمّ تغيير الاسماء المستخدمة في التقرير حماية لهوية أصحابها.