التعافي البطيء من الصدمة "التروما" لأسرة في بيروت
لن تنسى فاتن لحظات الرعب الذي شعرت به حين هزّت العاصمة بيروت إنفجارات مرفأ بيروت الضخمة،. لحظات صعبة للغاية وصدمة شديدة تتعافى وأطفالها منها ببطء.
- متوفر بـ:
- English
- العربية
لن تنسى فاتن، وهي أم عزباء لثلاثة أطفال لها من العمر 36 عاما، لحظات الرعب الذي شعرت به حين هزّت العاصمة بيروت إنفجارات مرفأ بيروت الضخمة، محطمة منزلها، مسقطة إياها مع أطفالها في الخوف الكبير. لحظات صعبة للغاية وصدمة شديدة تتعافى وأطفالها منها ببطء.
تقول فاتن "تلك الذكرى، في ذاك اليوم، تلحّ في بالي ليل نهار". هي كانت تعمل حينها عاملة تنظيف في المقلب الآخر من المدينة "كنتُ بعيدة عن منزلي، بعيدة عن أطفالي، وأول ما راودني فكرة وحيدة أن أطفالي قد توفوا. ركضتُ الى المنزل بأسرع ما يمكن. خارت قواي لكنني تابعت، وكنت أركض وأشعر وكأنني مسمرة في مكاني. وعندما وصلت أخيرا الى منزلي، بالقرب من مرفأ بيروت، وجدتُ أطفالي سالمين جسديا. لكن إبنتي الكبرى كانت شاحبة وصامتة. إبني كان يبكي بشدة واستمرّ متشبثا بابنتي الصغرى طوال ثلاث ساعات".
فاتن وأطفالها الثلاثة كانوا إحدى الأسر التي تلقت رعاية نفسية سريعة من شريكة اليونيسف في برنامج "حماية الطفل" في لبنان جمعية "حماية". تقول "كانوا أول من اتصل بنا بعد الإنفجار. هم الوحيدون الذين يتصلون بأطفالي ويتفقدون أحوالهم ويسألون عما إذا كنا بحاجة الى مساعدة. كانوا هنا، منذ اليوم الأول، من أجلنا، ما أعاد إلينا الأمل في قابلية عودة الحياة الى ما كانت عليه". إبتسامة خافتة تلوح على شفتيها وهي تخبر ذلك.
العاملة الإجتماعية في "حماية" كليا أسطفان تتذكر اليوم لقاءها الأول مع عائلة فاتن: "تأثر جميعهم في شكل كبير بما حصل. كانت الإبنة الأكبر مارلين، ولها من العمر 12 عاما، الأكثر تعرضا للصدمة. وكان شبه محال أن تحرز أي تقدم من دون الإسعافات الأولية النفسية والدعم المستمر".
صدمة مارلين كانت كبيرة لكنها أحرزت اليوم تعافيا كبيرا. هنا كانت تجلس في ذاك اليوم بصمتٍ فظيع مع أخوتها الأصغر، عند قدمي الوالدة. أما اليوم فأصبحت قادرة أن تتحدث عن رحلتها الشاقة خلال 12 شهرا.
تقول مارلين "أشعر في كلِ مرة أسمع فيها تحليق طائرة في السماء بنفس الرعب الذي شعرت به أثناء دوي الإنفجارات. ما زلتُ أتذكر بكاء الأشخاص الشديد في ذاك اليوم. خوف الناس كان كبيرا. والجرحى كانوا مستوفين على الطرقات. معاناتنا كانت كبيرة غير أن الدعم الذي تلقيناه ساعدنا في استيعاب الموضوع أكثر. ساعدني الدعم الذي تلقيته في دعم أخي وأختي الأصغرين".
الى الدعم النفسي والإجتماعي، تلقت الأسرة مساعدة مالية استطاعت من خلالها تجديد منزلها المتضرر.
تقول كليا "عملنا مع مارلين طوال خمسة أشهر. وكنا خلال هذه الفترة على اتصال وثيق جدا مع فاتن. ومن خلال الدعم الذي قدمناه مباشرة أو غير مباشرة، ساعدنا فاتن على إدارة عواطفها بنجاح لتكون دعما بدورها لأطفالها".
فاتن تعلق على الموضوع بقولها "أظهر أطفالي قوّة كبيرة وأحرزوا تقدما في كل شيء. وأرى هذا التحسن يوميا. نجح صغاري في إحراز تقدم من الحالة التي كانوا عليها، حتى من تلك التي كنت أنا عليها، في آب الماضي".
من جهتها، تقول مارلين "يهم جدا اليوم أن نتطلع الى الأمام، الى المستقبل، لكن لا يمكننا أن نتجاهل الماضي- فهو يجعلنا ما أصبحنا عليه. شكّل إنتقالنا الى منزل جديد حدثا رائعا. إنها بداية جديدة. حصلنا على أصدقاء جدد. الدعم الذي تلقيته بعد فترة وجيزة من حصول الإنفجارات ساعدني كثيرا على المضي في طريق التعافي".
التعافي يتم وإن ببطئ، غير أن غضب الوالدة يستمر شديدا. تقول "سرقوا طفولة صغاري. تجاهلوا براءتهم. ولولا الرعاية التي تلقيناها ما كنت استطعت تقديم الدعم الذي يحتاجون إليه. كل شخص في المدينة لا يزال تحت سطوة ما حدث. ما زلنا جميعا في طور التعافي البطيء. ونحن، جميعا، نحاول مساعدة بعضنا بعضا".