أسرة تلاحقها الحرب: رحلة أسرة من سوريا إلى ليبيا
ظل بسام البالغ من العمر ثماني سنوات وأسرته يهربون من الحرب لمدة خمس سنوات، ليجدوها تلاحقهم في كل خطوة على الطريق.

مصراتة، ليبيا، 8 أيار/ مايو 2018 — يقول بسام ذو الثماني سنوات، "لقد رأينا أشياء فظيعة، فظيعة. كانت توجد دبابات في كل مكان، وكنا نسمع أصوات البنادق من بيتنا".
ورغم أن هذه المشاهد التي يتذكرها جرت منذ فترة قريبة، إلا أنها تصف كذلك معظم طفولته.
بسام وأسرته — أبوه علي محمد، وأمه نور، وشقيقه كنان — هم من سوريا أصلاً، إلا أنهم يعيشون في ليبيا منذ خمس سنوات.
لقد غادروا بلدهم الذي تمزقه الحرب بحثاً عن حياة أفضل، ولكن بعد سنوات من التنقل من مدينة إلى مدينة، لم يواجهوا سوى مزيد من الألم.
الفرار من الغوطة
في سوريا، كانت الأسرة تعيش في الغوطة، وهي منطقة تقع في محيط العاصمة دمشق، وكان علي يعمل بدأب لبناء مستقبل لأسرته الفتيّة، كما كان يرعى والديه أيضاً، وكلاهما مريض.
وبعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب، تراجعت صحة والده، وسافرت الأسرة بأكملها إلى مصر كي يتمكن من الحصول على علاج. وكان علي يأمل بالعودة إلى بيته لاحقاً، وكان ذلك في عام 2013.
ولكن ظل الوضع في سوريا يتراجع يوماً بعد يوم، وعندما بدأ حصار الغوطة علمت أسرة علي أنها لن تتمكن من العودة.
وبعد أن أمضت الأسرة سنة في مصر، قررت الانتقال مرة أخرى. وعلم علي من أصدقائه أن بوسعه العثور على عمل بسهولة في ليبيا، وأن ليبيا ستمضي في انتقال ديمقراطي مشرق بعد انقضاء حقبة القذافي.
وما كان من الممكن توقُع أن ليبيا كانت مشرفة على الدخول في حرب أهلية جديدة.
عالقون في الحرب
ويقول علي، الذي استقر مع أسرته في مدينة سرت في البداية، "بدأت أعمل في أي وظيفة أجدها، وفعلت كل ما في وسعي لإعالة أسرتي. وفي تلك الأثناء وُلد طفلي الثاني، كنان".
وفي ذلك الوقت، كانت سرت خاضعة لسيطرة جماعات مسلحة. وعاش فيها بسام، ابن علي، أسوأ أيام طفولته.
ويقول علي، "أتذكر يوماً فظيعاً حيث اقتادوا رجلاً وقلتوه ثم ربطوا جثته إلى سيارة وجروه عبر شوارع المدينة كي يراه جميع الناس".
"وقد شاهده بسام، وأصيب بصدمة. ومنذ ذلك الوقت ظل يستيقظ من نومه مرعوباً ... ويصرخ".
"أرغب بالعودة إلى سوريا مع أنني لا أتذكر أي شيء من هناك. فسوريا هي وطننا".
صدمة
تمكن علي وأسرته في عام 2015 من الفرار من سرت إلى الزاوية — وهي مدينة في الجزء الغربي من البلد، وتبعد حوالي 130 كيلومتراً عن الحدود التونسية.
إلا أن الأسرة لم تتمكن من النجاة من العنف هناك أيضاً.
أصبحت الزاوية على امتداد السنوات القليلة الماضية نقطة انطلاق رئيسية للاجئين والمهاجرين في ليبيا الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا.
وأصبح تهريب الأشخاص عملاً مربحاً، وباتت الميليشيات المسلحة تقتتل فيما بينها للسيطرة على خطوط التهريب.
ويتذكر بسام جميع تفاصيل الأيام التي أمضاها هناك.
ويقول، "في إحدى الليالي دخل مسلحون البيت، وسلبوا كل شيء، ولم يتركوا شيئاً. وأتذكر أنني وكنان كنا نائمين، ثم أتذكر كيف ركضنا هاربين".
ويقول علي إن تلك التجربة غيرت بسام إلى الأبد، "لا أدري ماذا حدث له منذ ذلك الوقت، فهو يبكي يومياً. لقد عانى من صدمات عديدة جداً في عمره القصير".

لا مال لشراء الطعام
تعيش الأسرة حالياً في مصراتة، وظل علي يعمل في مخبز منذ سنة. وهو يكسب دخلاً يكفي لدفع أجرة منزله، ولكنه لا يكفي لتوفير طعام كافٍ لأطفاله.
وبالكاد يبلغ وزن بسام 20 كيلوغراماً رغم أن عمره ثماني سنوات، وفي السنة الماضية كان وزنه يبلغ 27 كيلوغراماً. وهو يأكل مرة واحدة في اليوم، لأن الأسرة لا تستطيع شراء مزيد من الطعام.
ويقول أبوه وأمه إنه متوتر ومكروب وجسمه لا يتمثّل الطعام، ولا يزال مسكوناً بتجارب الحرب.
وتقول نور، "أنا بحاجة لمساعدة لأطفالي. فبسام لا يستطيع حتى أن يتحدث عن الرجل الذي رآه يُجر في شوارع سرت، إلا أن ذاك الرجل يعيش في كوابيسه، ويُضنيه في الليل".
ويكافح علي ليتمكن من الصمود في هذا الوضع. وكان يعتقد أنه يأخذ زوجته وأطفاله بعيداً عن الحرب، ولكن بعد سنوات من التضحية والألم، ما زال غير قادر على ضمان سلامتهم، وهو يشعر أنه عالق في هذه المحنة.
ويقول علي، "أود المغادرة إلى أوروبا، فأنا لا أريدهم أن يعانوا مثلما عانيت. أريد لهم أن يحظوا بحياة أفضل، ومستقبل أفضل، وبالتعليم".
"أشاهد في التلفزيون أخبار الموت في سوريا والموت في البحر الأبيض المتوسط — لقد مات العديد من الناس في البحر، ولهذا السبب لا أستطيع التفكير في المخاطرة بحياة أطفالي بعبور المتوسط على متن قارب مطاطي".
ويتوق بسام، مثل والديه، إلى الحياة التي تركوها وراءهم.
ويقول، "أرغب بالعودة إلى سوريا مع أنني لا أتذكر أي شيء من هناك. فسوريا هي وطننا".
لقد عانى بسام وأسرته بقدر لا يعانيه العديدون على مر حياتهم، وللأسف فإن قصتهم معتادة بين اللاجئين والمهاجرين والمشردين داخلياً في ليبيا. والأطفال مستضعفون بصفة خاصة من جراء خوفهم مما شاهدوه. واليونيسف موجودة هناك كي توفر دعماً نفسياً عندما تدعو الحاجة.
وبالنسبة للأطفال غير المصحوبين بذويهم، استحدثت اليونيسف بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة فريقاً للبحث في الخيارات المتوفرة لهم. وينظر "الفريق المعني بتحديد المصلحة الفضلى" في الظروف الفردية للطفل ثم يقرر أفضل مسار للعمل، سواء أكان تحديد أسرة الطفل في وطنه لإعادته إليها، أم تحري الخيارات الأخرى لإعادة التوطين.