كلمة هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لليونيسف، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول اليمن - 23 آب / أغسطس 2021
كما أُعدّت
- متوفر بـ:
- English
- العربية
نيويورك، 23 آب / أغسطس 2021 - "منذ أكثر من ست سنوات، بدأ الكبار حرباً في اليمن. وقد فعلوا ذلك على الرغم من معرفتهم بالخسائر الفادحة التي تُلحِقها الصراعات العنيفة بالأطفال.
"تسببت الحرب في اليمن، التي هي الآن في عامها السابع، بأكبر أزمة إنسانية في العالم — أزمة تفاقمت بسبب عواقب الصحة العامة والعواقب الاجتماعية والاقتصادية لجائحة فيروس الكورونا.
"منذ آخر مرة تحدثت فيها معكم عن اليمن قبل عامَيْن في قاعة مجلس الأمن، لم يتغير كثير بالنسبة للسكان المدنيين في البلاد. وفي كل يوم، يعيث العنف والدمار فساداً في حياة الأطفال وأُسَرِهم. فلقد شهد هذا العام نزوحاً متزايداً، حيث نزح 1.6 مليون طفل، نزوحاً داخليّاً بسبب العنف — لا سيما حول الحديدة ومأرب.
"إن الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والصرف الصحي والتعليم — وكلها خدمات حيوية للاستجابة الإنسانية — هي هشة بشكل لا يُصَدَّق، وعلى شفا الانهيار التام.
"ومن دواعي القلق البالغ، العجز واسع الانتشار في الحصول على المياه المأمونة بكمية كافية. والنازحون داخليّاً معرضون بشكل خاص للانقطاع المستمر للمياه، الذي يحدث عند الخطوط الأمامية.
"وفي الوقت نفسه، فالاقتصاد اليمني في حالة يرثى لها. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40% منذ عام 2015، ما تسبب في ازدياد البطالة وندرة الوظائف وانخفاض دخل الأسرة. ويعتمد حوالي ربع السكان — بمن فيهم كثير من الأطباء والمعلمين والعاملين في مجال الصرف الصحي — على رواتب حكومية تُدفع بشكل غير منتظم، هذا إذا دُفعت. هناك في اليمن طعام، لكن من لا يطيقون تكاليفه معرضون لخطر المجاعة.
"واليوم في اليمن، يحتاج نحو 21 مليون شخص، من بينهم 11.3 مليون طفل، إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ويعاني 2.3 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، كما أن ما يقرب من 400 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم، ومعرَّضون لخطر الموت الوشيك. ويعجز أكثر من 10 ملايين طفل، ونحو 5 ملايين امرأة، عن الحصول على الخدمات الصحية اللازمة.
"وفي اليمن، يموت طفل واحد كل 10 دقائق لأسباب يمكن اتقاؤها، منها سوء التغذية وأمراض يمكن درؤها باللقاحات.
"كما تأثر تعليم الأطفال في اليمن تأثراً خطيراً بالحرب. وهناك مليونا طفل خارج التعليم المدرسي، وسدس المدارس لم تعد صالحة للاستخدام. ولم يحصل ثلثا المعلمين — بإجمالي أكثر من 170 ألف معلم — على راتب منتظم لأكثر من أربع سنوات بسبب الصراع، والانقسامات الجيوسياسية. وهذا يُعرِّض نحو 4 ملايين طفل إضافيين لخطر تقطع التعليم، أو التسرب من التعليم، لأن المعلمين الذين لا يتلقون رواتبهم يتركون مهنة التدريس بحثاً عن طُرق أخرى لكسب الرزق لأُسَرهم.
"فالأطفال الذين لا يُنهون تعليمهم عالقون في دائرة فقر مغلقة. وإذا لم يحصل الأطفال، الذين لم يلتحقوا بالمدارس، أو حديثو الانقطاع عنها، على الدعم الكافي، فقد لا يعودون إلى المدرسة أبداً.
"هذه هي لغة الأرقام. لكن الأرقام لا تخبرنا حقّاً ما معنى أن ينشأ الطفل اليوم في اليمن.
"إن كونك طفلاً في اليمن يعني مشاهدة والديك يكافحان لتوفير ما يكفي من الطعام لغذاء عائلتك، وبدونه قد تتضور جوعاً. وكونك طفلاً في اليمن يعني أنه حتى لو كنت محظوظاً كفاية ليكون لديك مدرسة تذهب إليها، فقد يمكن أن تُقتل برصاصة، أو انفجار، أو تطأ قدمك لغماً في أثناء سيرك على طريق المدرسة.
"أو لعلّك أحد الأطفال الذين جندوا للانضمام إلى القتال، أو تُستخدم من قبل أحد أطراف الصراع في دور غير قتالي، أو تُجبرين على الزواج، لأن أسرتك لم يبق لديها خيار آخر.
"إن كونك طفلاً في اليمن يعني أنك ربما تعرضت لعنف مروع، أو شاهدته، وهو أمر ينبغي ألا يتعرض له أي طفل على الإطلاق ويعني أنه إذا قُدِّر لك البقاء حياً بعد الحرب، فقد تحمل الندوب الجسدية والعاطفية لبقية حياتك، وهو ما سيقوِّض بواعث التنمية والسعادة لديك كشخص بالغ.
"إن حالة الحرب المحيطة بك تعني أنه قد يكون من المستحيل بالنسبة لك الحصول على التطعيم ضد شلل الأطفال أو الحصبة. وإذا مرضت، فقد لا يكون هناك مستشفى أو عيادة تزورها بأمان.
"إنه لكابوس شنيع أن تكون طفلاً في اليمن.
"نحن نبذل كل ما في وسعنا لمساعدة الأطفال على اجتياز هذه المحنة. جنباً إلى جنب مع شركائنا، نُتيح وسائل الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي، بالإضافة إلى خدمات الصحة والتغذية والحماية والتعليم.
"وتشمل هذه الجهود توفير اللقاحات، ودعم مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات، لكي تستمر في تقديم خدماتها. وفي سبيل الاستجابة لجائحة الكورونا، نوفر تحويلات نقدية طارئة إلى 1.5 مليون أسرة كل ثلاثة أشهر — ويستفيد منها حوالي 9 ملايين شخص.
"وفي جميع أنحاء البلد، تدعم اليونيسف علاج سوء التغذية الحاد في أكثر من 4,000 مرفق للرعاية الصحية الأولية، و100 مركز للتغذية العلاجية. ونحن نعمل على إعادة تأهيل المدارس، وقدمنا الدعم المالي والمستلزمات حتى يتمكن طلاب المدارس الثانوية من خوض الامتحانات الوطنية.
"ولكن لا شيء من هذا يكفي، نظراً لحجم الاحتياجات الإنسانية في خضم العنف المستمر.
"كان هناك بصيص ضوء نحو التقدم على الجبهة السياسية — وعلامات أمل من حين لآخر في أن هذا الكابوس يمكن أن ينتهي. ومع ذلك، لا توجد علامة ملموسة على قرب تحقيق السلام على الأرض، بل تزايدت الأعمال العدائية بشكل كبير في أماكن مثل مأرب. وكل هذا الوقت لا يزال الأطفال يعانون. بعد ست سنوات من الحرب، متى سيضع أطراف النزاع، وأولئك الذين لهم نفوذ عليهم، الأطفال في المقام الأول؟
"ومرة أخرى، أدعوهم إلى بذل كل جهد ممكن للحفاظ على سلامة الأطفال، والتقيد بالتزاماتهم القانونية لإبعادهم عن خط النار. ويشمل ذلك تجنب الهجوم على البنية التحتية الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال — مثل المرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي.
"وأود أن أؤكد على أن احترام التعليم وحمايته، بما في ذلك المدارس والطلاب والمعلمين، له أهمية قصوى بالنسبة للأطفال والشباب اليمنيين. وما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء شدة التهديدات والهجمات، وتواترها، ضد منظومة التعليم، وكذلك استخدام المدارس لأغراض عسكرية.
"ولا يمكن التقليل من شأن الآثار المترتبة على هذه الهجمات على سلامة الطلاب وقدرتهم على التمتع بحقهم في التعليم.
"وتتحمل جميع الأطراف مسؤولية قتل الأطفال وإصابتهم، وما زالت جميع الأطراف غير ملتزمة بالاحتياطات الواجبة لحماية المدنيين. لابد لتلك المأساة من نهاية.
"بالإضافة إلى ذلك، تحتاج اليونيسف وشركاؤها إلى وصول إنساني مستدام، وغير مشروط، وغير منقطع، إلى المحتاجين أينما كانوا في اليمن — بغض النظر عمن يسيطر على المناطق التي يعيشون فيها. وينبغي ألا تعترض العقبات البيروقراطية طريق قدرتنا على إيصال المعونة، ونحن نثمِّن الدعم المقدَّم من المانحين والدول الأعضاء في مواجهة هذه التحديات.
"وهذه الجهود حاسمة أيضاً في الاضطلاع بأعمال إزالة الألغام بأمان وفعالية.
"يستورد اليمن كل شيء تقريباً، بما في ذلك الإمدادات الإنسانية. ويجب علينا إعادة فتح ميناء الحديدة أمام الواردات التجارية والوقود. فقد يغرق الملايين في المجاعة إذا ظلت الواردات الحيوية مقيدة.
"كانت آخر مرة خاطبت فيها مجلس الأمن بشأن اليمن قبل بدء الجائحة. وقد زادت جائحة الكورونا من تعقيد الحالة الإنسانية المتردية أصلاً، ووضعت مزيداً من الضغوط على النظامين الصحي والاقتصادي المتعثرَيْن. ويجب توسيع حملات التطعيم في جميع أنحاء البلد على وجه السرعة، لا سيما مع ظهور سلالات الكورونا الجديدة سريعة الانتشار.
"كما أغتَنِمُ هذه الفرصة لأحث المجتمع الدولي على زيادة دعمه المالي للمساعدة في تلبية الاحتياجات الفورية للأطفال، وضخ استثمارات طويلة الأجل لمنع الانهيار الكامل لمنظومات الصحة والمياه والصرف الصحي والتغذية والحماية والتعليم — وكلها يحتاج إليها الأطفال اليمنيون الآن وعلى مر السنوات القادمة.
"اليونيسف وشركاؤنا على استعداد للعمل مع الأطراف لضمان دفع رواتب الموظفين الحكوميين بانتظام — وهي خطوة من شأنها أن تعيد الأموال إلى جيوب الملايين من الناس، وتساعد الأُسر للبقاء على قيد الحياة. ومن شأن ذلك أيضاً أن يدعم عمل الخدمات الأساسية وهي ضرورية لنجاح الاستجابة الإنسانية.
"وبالمثل، يجب علينا أيضاً أن نتخذ خطوات لزيادة دخول الناس. وهذا يعني حماية التحويلات المالية، التي تشكل شريان الحياة لملايين الأسر وتشكل أكبر مصدر للنقد الأجنبي في اليمن.
"في نهاية المطاف، يحتاج الأطفال في اليمن إلى سلام شامل ودائم. ويجب على أطراف النزاع أن تعمل على التوصل إلى حل سياسي عن طريق التفاوض، مع إعطاء الأولوية لحقوق الطفل والتمسك بها. وعندئذ فقط سيتمكن الأطفال من وضع هذا الكابوس خلف ظهورهم، وسيتطلعون لأحلامهم المستقبلية آملين في تحقُّقَها."