يخاطرون بحياتهم للحصول على التعليم
بعد سلسلة من الهجمات الفتاكة على المدارس الأفغانية، يكافح الأطفال واليافعون للتغلب على الصدمة بينما يواصلون تعليمهم.
كابول، أفغانستان، 13 أيلول/سبتمبر 2018 – بعد تلاوة الصلاة على الطلاب القتلى، نزلت مجموعة المشيعين القليلة العدد من التل المشرف على كابول، تستهدي بضوء القمر الخافت.
بقي أحد الرجال ليضئ شمعة على كل قبر، مستخدماً وشاحه ليغطي وجهه وسيل الدموع المنهمر من عينيه.
وسأله مشيع آخر، "من هو الفرد الذي يخصك؟ ابن؟ أخ؟"
أبقى الرجل رأسه منحنياً، ثم تفحّص شواهد القبور بعينيه قبل أن يحول نظره إلى الأفق.
وقال، "جميعهم يخصونني، فهم طلابي".
هجمات متكررة على المدارس
وقع هؤلاء الطلاب اليافعون ضحايا للهجوم الذي جرى في 15 آب/أغسطس واستهدف مركز ماوود التعليمي في الجزء الغربي من العاصمة الأفغانية. وقتل 40 طالباً على الأقل — وأصيب آخرون كثيرون — بينما كانوا يدرسون استعداداً لامتحان ’كانكور‘ الذي يؤهلهم لدخول الجامعة.
وكان هذا الهجوم واحداً من سلسلة هجمات استهدفت المدنيين الأفغان والبنية التحتية المدنية، خصوصاً المدارس. وقد حدثت التفجيرات الأخيرة السابقة قبل يومين فقط في إقليم نانجرهار، حين استهدفت عدة هجمات ثلاث مدارس منفصلة وحشداً من المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل 12 مدنياً وإصابة 60 آخرين بجراح.
"أنا أخاف الجلوس في غرفة الصف ... ومهما كان المكان، ومهما كانت المدرسة أو غرفة الصف، فأنا لا أشعر بالأمان".
"هناك شيء ما تغّير إلى الأبد"
«نعمة الله» هو طالب في الصف الثاني عشر من ناوور الواقعة في إقليم غانزي في جنوب شرق أفغانستان. وقد أتى إلى كابول، مثل العديد من ضحايا الهجوم على مركز ماوود التعليمي، للاستعداد لامتحان دخول الجامعة.
ويقول «نعمة الله»، "كنا خارج الصف في استراحة، وكان عدة طلاب قد عادوا بانتظار بدء الدرس. وكنت على وشك الدخول في غرفة الصف عندما انفجر الصف بأكمله أمامي. وبدأ الجميع يتراكضون، لذا ركضت أنا، وذلك خشية من حدوث انفجار ثانٍ. كنت خائفاً جداً، وبقيت في الخارج لمدة من الوقت، ولكن كان علي العودة من أجل أصدقائي".
ووجد «نعمة الله» بعد عودته أن العديد من زملائه لم ينجوا. وكان صديقه المقرب، «سلام»، يجلس صامتاً ودون حركة على أرضية غرفة الصف، وقد نجا بأعجوبة، وساعده «نعمة الله» في الخروج من الصف.
وقال، "في مكان ما في داخلي أعلم أن شيئاً ما تغير إلى الأبد".
ومنذ ذلك اليوم، لم يتمكن «نعمة الله» من النوم، إذ لا يستطيع التوقف عن التفكير بالأصدقاء الذين خسرهم. "لقد ضاعت أرواح عديدة في رفة عين. ففي غرفة صف مليئة بالطلاب، ربما أكثر من 150 طالباً، تحطمت أحلام كثيرة — في لحظة واحدة".
"لا أشعر بالأمان"
كانت «جيسو»، وهي في الصف الثاني عشر أيضاً، قد جلست للتو في رابع صف في الغرفة عندما وقع الانفجار. وشعرت باهتزاز الانفجار في ظهرها بينما كانت تركض بعيداً. وقد فقدت وعيها خارج الصف، ونقلتها زميلاتها إلى المستشفى.
وقد شفيت بدنياً منذ ذلك الوقت، ولكنها ما زالت تعاني من ندوب نفسية.
وتقول، "أنا أخاف الجلوس في غرفة الصف. ومهما كانت المعلمة جيدة، فليس بوسعي التركيز. فأنا أفكر في ذلك اليوم المأساوي، وخسارة العديد من صديقاتي في الهجوم ... ومهما كان المكان، ومهما كانت المدرسة أو غرفة الصفة، فأنا لا أشعر بالأمان".
"إلى كل شخص مر بهذه المعاناة: لا تتوقف ... يتطلب الأمر وقتاً، ولكنه بات قريباً — نحن الذين سنبني بلدنا المدمر".
"نحن المستقبل"
رغم الصدمة، فإن «جيسو» متأكدة من شيء واحد: لا يمكنها أن تستسلم. ومثل «نعمة الله»، أتت «جيسو» من أقليم آخر للاستعداد لامتحان دخول الجامعة، وهي تخطط أن تظل في كابول لمواصلة دراستها. وتقول، "لم أكن عازمة أكثر مما أنا الآن على مواصلة تعليمي وتحقيق ما رغبت فيه دائماً".
وهي تأمل ألا يفقد الطلاب الآخرون عزمهم على مواصلة تعليمهم.
وتقول، "إلى كل شخص مر بهذه المعاناة: لا تتوقف، علّم نفسك، اكتسب المعرفة. هذا هو مفتاح نجاحنا. يتطلب الأمر وقتاً، ولكنه بات قريباً — نحن الذين سنبني بلدنا المدمر. نحن المستقبل".
يوجد حالياً ما يقدر بـ 3.7 ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس في أفغانستان، والعديد منهم موجودون في مناطق متأثرة بالعنف وانعدام الأمن. وجرى خلال الفترة ما بين 1 نيسان/أبريل إلى 30 حزيران/يونيو لوحدها 79 هجوماً ضد المدارس وموظفي التعليم.
الهجمات على المدارس هي إحدى الانتهاكات الجسيمة الستة ضد الأطفال في وقت الحرب التي حددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وثمة مسؤولية مباشرة على جميع أطراف النزاعات أن تحمي السكان المدنيين.