التمسك بالحياة بعد الفقد

أم من الكاميرون عازمة على إبقاء أطفالها أصحاء، وسالمين من فيروس نقص المناعة البشرية بعد أن فقدت زوجها الذي توفى من جراء مرض مرتبط بالإيدز

إعداد «أوبجيت تشاندان» و«كارين شيرمبروكر»
UNICEF/UN0255813/Schermbrucker
UNICEF/UN0255813/Schermbrucker
29 تشرين الثاني / نوفمبر 2018

قالت أنتوانيت، "قبل شهرين فقدتُ زوجي، مارتن. وقد توفي بسبب الإيدز. ومنذ رحيله، تغيّرت حياتي بشدة. فما عدت أعيش كما اعتدتُ عندما كان بيننا. وبات عليَّ الآن أن أقوم بأشياء لا ينبغي علي القيام بها — كطلب الطعام من الناس".

وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، توفي 24,000 شخص في الكاميرون في عام 2017 لوحده نتيجة لأسباب مرتبطة بالإيدز. وكان 3,300 شخص منهم أطفالاً دون سن الخامسة عشرة.

 

© UNICEF/UN0252789/Schermbrucker
UNICEF/UN0252789/Schermbrucker
أنتوانيت وابنتها بريسكا تقفان خارج منزلهما في الكاميرون.

تقول أنتوانيت، "أملك حقلاً صغيراً أزرعه. وأعمل لإطعام أطفالي، وهذا يُشعرني بفخر كبير. وحتى لو كان العمل شاقاً، فلا مشكلة في ذلك لأنني أعلم بأنني سأتمكن بعد العمل من إعداد وجبة لأطفالي، ولن يناموا جائعين".

لا تملك أنتوانيت مصدر دخل رسمي، إلا أنها تتمتع بقدرٍ كبير من الشجاعة والقوة التي تثير الإعجاب، مما يمكنها من السيطرة على سير الأمور في سعيها لإعالة عائلتها ورعايتها مادياً وعاطفياً، وغالباً بقدر ضئيل من الدعم من المجتمع المحلي.

© UNICEF/UN0252795/Schermbrucker
UNICEF/UN0252795/Schermbrucker
«روز ميكيندا»، مرشدة صحية محلية، تقدّم إرشادات صحية في مستشفى إبولوا الإقليمي في الكاميرون.

اكتشفت أنتوانيت وضعها للمرة الأولى في عام 2007 عندما دخل زوجها، مارتين، المستشفى وتبين أنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، كما أظهر الفحص أنها مصابة بالفيروس أيضاً. وقالت إن تلك الفترة كانت فترة فظيعة لهما.

وتقول أنتوانيت، "عندما اكتشفت أنني مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، اعتقدت أن نهايتي قد حلّت. وكنت خائفة جداً من هذا المرض — المرض الذي يقتل الناس. واعتقدت أنني سأموت وظننت أن طفلي سيولد مصاباً بالفيروس أيضاً".

ولحسن الحظ، عندما حملت أنتوانيت بطفلها الثالث في عام 2013، التقت بروز ميكيندا، وهي مرشدة مجتمعية تعمل في مستشفى إبولوا الإقليمي. وعرّفتها ميكيندا على الخدمات التي يقدمها المستشفى لمنع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأم للطفل، وشجعتها على تلقي علاج مستمر مضاد للفيروسات العكوسة. وعمل العلاج على كبح الحِمْل الفيروسي طوال فترات ما قبل الولادة، والمخاض، والولادة، والرضاعة، مما منح طفلتها أكبر فرصة ممكنة لأن تولد غير مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.

© UNICEF/UN0252794/Schermbrucker
UNICEF/UN0252794/Schermbrucker

ميكيندا هي عاملة صحية موهوبة وتسعى إلى رفع معنويات المرضى، وهي تحب العمل مع النساء وأطفالهن. وتقول إن مفتاح نجاحها يكمن في أنها تتمكن من تخيّل نفسها في موقف المريضات اللاتي يستعن بها، وبالتالي فإنها تتمكن من تقديم الدعم الذي يحتجنه. ميكيندا مصابة أيضاً بفيروس نقص المناعة البشرية، وهي تشكل مثالاً حياً للأمل بالنسبة للنساء اللاتي يستعنّ بها.

وتقول، "ليس الأجر الذي أحصل عليه هو الأمر المهم، بل ما يمكنني فعله لأولاءِ النساء، والفرح الذي أشعر به عندما يبتسمن، وحقيقة أنهن يثقن بي".

ووفقاً لميكيندا، كان من الصعب جداً سابقاً إقناع النساء بجلب أطفالهن لإجراء الفحص اللازم.

وتقول ميكيندا، "يتعين إرسال نتائج الفحص إلى مكان بعيد وكثيراً ما تضيع النتائج. وهذا يعني فترات انتظار طويلة للأمهات. من المهم جداً أن تحصل الأمهات على النتائج بأسرع وقت ممكن. فليس ثمة وقت لنخسره إذا كان الطفل مصاباً بفيروس نقص المناعة البشرية".

وبالنسبة للعديد من الأمهات، قد يمثل هذا الأمر الفرق بين الحياة والموت لأطفالهن.

© UNICEF/UN0252792/Schermbrucker
UNICEF/UN0252792/Schermbrucker

بعد أن ولدت أنتوانيت طفلتها بريسكا بستة أسابيع، شجعتها ميكيندا على إجراء فحص لطفلتها للكشف عما إذا كانت مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. ولسوء الحظ، ما كان يمكن فحص العينات في العيادة، وتعيّن إرسالها إلى مستشفى في ياوندي التي تبعد أكثر من 150 كيلومتراً. ونتيجة لبعد المسافات بين المراكز الصحية والمختبرات التي تحال إليها الفحوصات، إضافة إلى تحديات لوجستية أخرى، عادة ما تنشأ تأخيرات كبيرة في وصول النتائج إلى المرافق الصحية ومقدمي الرعاية، مما يؤدي إلى تأخير في تقديم العلاج اللازم.

ووفقاً للسكرتير الدائم للجنة الوطنية للسيطرة على مرض الإيدز، السيد «جين بوسكو إلات نفيتام»، "يتمثل أحد أسباب ضعف الأداء [في الاستجابة لفيروس نقص المناعة البشرية] في الكاميرون في الفشل في تشخيص الأطفال الرضع في فترة مبكرة. فحالما يتم تشخيص الشخص بأنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، يجب أن يبدأ العلاج بأسرع وقت ممكن. ويمكن أن يؤدي تأخير العلاج إلى الموت وارتفاع معدل وفيات الرضّع".

© UNICEF/UN0255831/Schermbrucker
UNICEF/UN0255831/Schermbrucker

وتتذكر أنتوانيت الوقت العصيب الذي انتظرت فيه نتائج فحص ابنتها، وتقول "كانت الفترة الأصعب هي فترة انتظار النتائج، فلم أتمكن من النوم، ولم أكن في وضع طبيعي أبداً. وكنت متلهفة على معرفة نتائج فحص ابنتي كي أعرف ما إذا كانت معافاة".

وظلت أنتوانيت تتوجه إلى العيادة أسبوعاً تلو الأسبوع لتعرف ما إذا كانت نتائج فحص ابنتها قد وصلت. وكلما كانت بريسكا تمرض، كانت أنتوانيت تخشى أسوأ الاحتمالات. وبعد ثلاثة أشهر، لم تكن النتائج قد وصلت بعد. وفي نهاية المطاف، استُدعيت إلى العيادة لإجراء فحص جديد لابنتها. ومرت ثلاثة أشهر أخرى دون ظهور النتائج. وبعد تسعة أشهر، حصلت أنتوانيت على النتائج، وتبيّن أن بريسكا غير مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.

UNICEF/UN0252784/Schermbrucker
UNICEF/UN0252784/Schermbrucker

وبعد سنتين ونصف السنة من ذلك، حملت أنتوانيت مرة أخرى. وفرحت كثيراً عندما علمت بأنها ستلد توأمين. وبفضل المشورة التي قدمتها ميكيندا، اتخذت أنتوانيت الاحتياطات الضرورية لتزيد فرص طفليها إلى الحد الأقصى بأن يولدا دون أن يكونا مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. ولكن عندما وُلد الطفلان وآن الآوان لفحصهما، شعرت أنتوانيت بالهلع من مواجهة هذه العملية من جديد.

وتقول، "عندما ولدتُ التوأمين، ظننت أنني سأخوض في الاجراءات نفسها انتظاراً للنتائج. ومن بين كل الولادات التي ولدتها، ليس لدي أي ذكريات طيبة عن الحمل الثالث [الحمل ببريسكا]. لقد مرت بي جميع أنواع المشاعر، من الفرح بقدرتي على إنجاب طفل رغم وضعي الصحي، إلى المعاناة، إلى القلق بسبب الانتظار الطويل لوصول النتائج. ولم أرغب بخوض هذه التجربة مرة أخرى".

UNICEF/UN0255836/Schermbrucker
UNICEF/UN0255836/Schermbrucker
فنية المختبر «ليديا نياتي» تعمل في مختبر في مستشفى إبولوا الإقليمي.

وفي عام 2016، أُدخلت تقنية تشخيص جديدة إلى الكاميرون لفحص الرضّع لتحديد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية: التشخيص المبكر للرضع في مراكز الرعاية.

وهذا يعني لأنتوانيت بأنه يمكن فحص طفليها التوأمين والحصول على النتائج في اليوم نفسه. وقد تطلب الأمر بعض الوقت لتتمكن ميكيندا من إقناع أنتوانيت بإمكانية هذا الأمر، ولكنها جلبت طفليها، نتاشا وإيمانويل، للفحص وحصلت على النتائج بعد مرور ساعة واحدة فقط.

وتقول أنتوانيت، "عندما وصلتُ إلى المستشفى، فحصوا الطفلين وحصلت على النتائج بعد ساعة واحدة. وكنت سعيدة جداً أن الأمر جرى بسرعة كبيرة. ولم يتعين علي الذهاب إلى البيت والانتظار هناك. وأظهر الفحص أنهما سليمان. أنا ممتنة جداً للذين نشروا هذا الابتكار، وربما هم لا يدركون مدى فائدته للأمهات".

UNICEF/UN0252776/Schermbrucker
UNICEF/UN0252776/Schermbrucker
«ليديا نياتي» تستخدم آلة التشخيص المبكر للرضع لفحص عينات دم للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية.

وبالنسبة لليديا نياتي، مسؤولة فنيي المختبر في مستشفى إبولوا الإقليمي، كان التشخيص المبكر للرضع في مراكز الرعاية تدخلاً ذا أثر كبير على حياة الناس. وهي تتذكر النظام القديم الذي تضمن تأخيرات هائلة للأمهات اللاتي ينتظرن نتائج الفحوصات لأطفالهن.

وتقول نياتي، "نحن راضون تماماً عن النظام الجديد وبشأن قدرتنا على إجراء الفحص وتقديم النتيجة بعد مرور ساعة واحدة. ويمكن البدء في تقديم العلاج للأطفال في اليوم نفسه. ولا يقتصر الأمر على أن هذا ينقذ أرواح الأطفال، بل أدى أيضاً إلى زيادة كبيرة في عدد الأمهات اللاتي يقررن فحص أطفالهن. ونحن نستقبل عدداً متزايداً من العينات لفحصها، وهذه إشارة جيدة".

UNICEF/UN0252786/Schermbrucker
UNICEF/UN0252786/Schermbrucker
أنتوانيت تحمل طفليها التوأمين داخل بيتها.

التوأمان، نتاشا وإيمانويل، هما الآن طفلان يتمتعان بالصحة ويبلغ عمرهما 18 شهراً، ويحبان اللعب والرقص. وتحب أنتوانيت أن تكون أماً، وتقول "من الرائع أن تكون محبوباً. أنا أحب أطفالي حباً جماً. وعلى الرغم من أنني واجهت مشاكل في حياتي، إلا أنني أحب التحدث معهم. وأنا أوجه إليهم أسئلة وهم يجيبون عنها، كما أنهم يسألونني أسئلة وأجيب عنها. ومثل سائر الأمهات، أنا آمل بأنهم سينجحون في حياتهم. وقد علمتهم أن يعملوا بجد وأن يتمتعوا بالمدرسة".

UNICEF/UN0252805/Schermbrucker
UNICEF/UN0252805/Schermbrucker
أنتوانيت تلعب مع نتاشا في البيت.

وتقول ميكيندا، "أنتوانيت هي امرأة قوية. وقد رأيتها ضعيفة للمرة الأولى عندما توفى زوجها. ولكنها قالت لي حينها، ’سأظل قوية من أجل أطفالي‘. إنها إحدى أشجع النساء اللاتي أعرفهن، فرغم الصعوبات، لم تستسلم أبداً".

ورغم أن أنتوانيت ستواصل ارتداء ملابس سوداء اللون على امتداد السنة المقبلة من حياتها تكريماً لذكرى زوجها المتوفى، مارتين، إلا أنها ممتنة لأن جميع أطفالها غير مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وأن مستقبلهم مليء بالألوان والحياة والإمكانات.


يجري تنفيذ التشخيص المبكر للرضع في مراكز الرعاية للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية في الكاميرون من قبل المرفق الدولي لشراء الأدوية في إطار شراكة مع وزارة الصحة الكاميرونية، واليونيسف، ومؤسسة إليزابيث غليزر لعلاج الأطفال المصابين بالإيدز، ومبادرة كلينتون لإتاحة الصحة.

اعرف المزيد عن عمل اليونيسف في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)