في النيجر، الفتيات يسعين إلى مستقبل أفضل
يعمل فريق كرة القدم للفتيات على كسر الحواجز الاجتماعية، خطوة خطوة.
نيامي، النيجر — سريران ومروحة وجهاز تلفزيون قديم وثلاجة. هذا كل ما تملكه أسرة «باسكالين» البالغة من العمر 13 عاماً والتي تقطن مع أسرتها في حيز أضيق من غرفة فندق. وقد بنيت جدران المنزل المكون من غرفة واحدة، الذي تقتسمه باسكالين مع والديها، من الآجر المصنوع من الطين والقش والمجفف بأشعة الشمس. ويهز السقف القصديري جدران البيت كلما هبت رياح قوية.

وتعيش باسكالين في حي «لاكوروسو»، وهو حي فقير في نيامي، عاصمة النيجر. وفي بعض الأيام، ينعدم الطعام في البيت. والعمل نادر. والبيوت مكتظة. وعندما تمطر السماء، تغمر الفيضانات كل شيء. إنه مكان يصعب على الأطفال من قبيل باسكالين أن يترعرعوا فيه. وهذا هو الحال لاسيما بالنسبة للفتيات، اللواتي أُنهِيت طفولة الآلاف منهن بالزواج — إذ للنيجر أعلى معدلات زواج الأطفال في العالم.
ولكن باسكالين تحتفظ تحت سريرها بحقيبة ظهر، ترسم محتوياتها لمحة عن عالم مختلف، عالم لا يثني فيه باسكالين عن مطاردة أحلامها أنها فتاة.

ولقد دأبت باسكالين لسنوات على جمع قمصان كرة القدم وجواربها وأحذيتها، رغم أن معظم هذه الملابس لا يزال كبيرا جداً على مقاسها. إنها من مشجعي نادي برشلونة لكرة القدم — فهي تعرف أسماء جميع اللاعبين، وتتابع أي تعاقدات جديدة.
وتضحك والدة باسكالين، بيبا، ضحكة مكتومة بينما تتحدث ابنتها بحماس عن حلمها أن تلعب كرة القدم في إسبانيا أو الولايات المتحدة. لكن باسكالين تظل مصرة على التحدي. وتقول "إن كل من يقول إن كرة القدم مخصصة للأولاد فقط، سأثبت له أنا وصديقاتي أنه مخطئ".
وبالنسبة لباسكالين، كانت كرة القدم أكثر من مجرد متعة — لقد جلبت لها الراحة التي هي في أمس الحاجة إليها عندما كانت متاعب الحياة تهدد بسلبها طفولتها. فقد اضطر والداها إلى إخراجها من المدرسة عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها. ويقول والدها هنري، إنه كان قراراً صعباً للغاية، لكنهما ببساطة لم يعد بإمكانهما دفع الرسوم المدرسية.
وتقول باسكالين: "كان من الصعب ترك مدرستي وأصدقائي. والشيء الوحيد الذي غمرني بالسعادة خلال تلك الفترة هو لعب كرة القدم".

ويعرف هنري أكثر من أي شخص آخر كم تحب ابنته لعبة كرة القدم.
ويقول: "ما زلت أتذكر عندما حصلتْ على أول كرة لها، من عمها. فقد كانت تلعب كرة القدم مع الأولاد في الحي، ورغم أنهم كانوا يضحكون عليها، إلا أنها لم تكن تكترث بذلك. وكانت ماهرة في اللعب، فبدأوا يحترمونها ".
ولم تساعد تلك المهارات باسكالين على كسب احترام أقرانها فحسب، بل إنها ساعدتها أيضاً على إعادة تعليمها إلى المسار الصحيح. فقد اكتشفت باسكالين أن هناك مدرسة لكرة القدم في الحي الذي تقيم فيه تقوم باستقدام الفتيات المنقطعات عن الدراسة للعب في فريق، بهدف إعادتهن إلى الصفوف الدراسية.

وعلى مدار العام الماضي، كانت باسكالين تذهب إلى الفصول الدراسية في أكاديمية آتشا على متن دراجتها، ثلاثة أيام في الأسبوع.
وقالت وهي تبتسم "لقد أعطوني دراجة وأدوات مدرسية وعُدة كرة قدم لأرتديها لحصص التدريب. وشهدت حياتي منعطفاً لم أكن أتوقعه".

أحد الموظفين يعرض قمصان كرة القدم والتذكارات في أكاديمية أتشا. ومنذ عام 2007، ما فتئت أكاديمية آتشا تشجع الأطفال المنقطعين عن الدراسة على حضور الفصول الدراسية بتوفير حافز إضافي هو: إتاحة فرصة للعب كرة القدم. وتوفر المدرسة للأطفال برامج التعليم الابتدائي والثانوي، والمعدات الأكاديمية والرياضية، والغذاء.

وتقول غاربا، مُدَرِّسة باسكالين، إن للمدرسة معدل استبقاء جيداً إذ ينخرط التلاميذ بدرجة كبيرة في دراستهم. وتقول: "يأتي تلاميذي إلى جميع الصفوف الدراسية وقد أنجزوا واجباتهم المدرسية". لكن وإن كانت للدراسة الأولوية، فإن فرصة لعب كرة القدم، باعتراف غاربا، هي بلا شك جزء من الإغراء، وهو أمر تعتبره مقبولاً.
وتقول "إن لعب كرة القدم يبقيهم متحمسين للتعلم. ولقد أضافت الرياضة المدرسية قيمة للبنات [لأنهن] الأكثر هشاشة".

وغالباً ما تواجه الفتيات في النيجر ضغطا للتركيز على الأعمال المنزلية — والزواج في سن مبكرة، حيث يعتبرن أكثر خصوبة. ومما يزيد من الضغط ذلك التصور التقليدي الذي يعتبر أن الزواج سيوفر الحماية للفتاة ويعزز مكانة أسرتها.
لكن زيادة فرص الوصول إلى التعليم يمكن أن يشق مسلكا بديلاً للفتيات من أمثال باسكالين. فنسبة المرتبطات بزواج أو عِشرة في سنة الثامنة عشر تبلغ 81 في المئة من النساء بعمر 20–24 عاماً ممن لم يلتحقن بأي تعليم رسمي، و63 في المئة ممن لم يتجاوز مستواهن التعليم المرحلة الابتدائية. لكن بالنسبة للفتيات اللواتي حصلن على تعليم ثانوي أو تعليم عال، فالنسبة تنخفض إلى 17 في المئة.

وفي الفصل، تعد باسكالين من أكثر التلميذات تفاعلا. وتلازمها هذه الثقة حتى ملعب كرة القدم أيضاً — مستعينة بزوج من الأحذية الميمونة تحتفظ به لأيام ممارسة اللعبة.

وتوفر أكاديمية آتشا للفتيات فرصة الاستمتاع بممارسة الرياضة في بيئة آمنة وداعمة، تساعدهن في بناء ثقتهن وفهم حقوقهن.

ويقول «لاوالي»، مدرب كرة القدم في الأكاديمية، إن بعض الناس يتساءلون عن سبب تجشمه لعناء تدريب فريق من الفتيات. ولكن هذا الارتياب لم يعمل سوى على استنهاض همته.

ويقول "إن الانتقادات شجعتني على تكريس كل طاقتي لهؤلاء الفتيات. إنهن منبع إلهام خالص. وسواء فزن أو خسرن، فهن بطلات بالفعل في عيني".

وتدعم اليونيسف الاتحاد النيجيري لكرة القدم، في تنظيم مسابقات كرة القدم للفتيات الأكثر حرماناً، بهدف مساعدتهن على التغلب على الحواجز الاجتماعية وتحقيق إمكاناتهن الكاملة.
وقالت السيدة «فيليسيتي تشيبيندات»، ممثلة اليونيسف في النيجر، في نهاية الدوري الذي نظم مؤخرا "إنه عندما تلعب الفتيات، ويذهبن إلى المدرسة، ولا يُحرمن من طفولتهن بسبب الزواج، يفوز العالم!".

ولقد تأهل فريق باسكالين لنهائيات الدوري. وبعد الركلات الترجيحية، فاز الفريق!
ولا تزال الفتيات النيجيريات فئة هشة ومتوارية عن الأنظار إلى حد كبير. لكن مع تمكن المزيد من الفتيات من أمثال «باسكالين» من تحقيق أحلامهن، فإن فرق كرة القدم الفائزة ليست وحدها المحتفلة بما أنجزته.
للمزيد من المعلومات بشأن اليوم الدولي للطفلة، انقر هنا.